السبت، 26 أبريل 2014

دور المدرسة الألمانية في تطور الفكر الجغرافي. (الجزء الأول).

  تعتبر المدرسة الألمانية من أهم المدارس الجغرافية التي ساهمت بشكل بارز في تطور الجغرافيا بشكل كبير، رغم التردي الذي أصابها بعد وفاة مؤسسي الجغرافيا المعاصرة همبلت وريتر. هي إذا مدرسة عريقة وذات أصالة، امتد إشعاعها حتى خارج مهدها ومنشأها، فانعكس هذا الإشعاع على جل المدارس الأخرى بدرجات وأشكال متفاوتة ومختلفة، وأثر في أغلب اتجاهات الجغرافيا المعاصرة.

  ولقد كان الجغرافيون الألمان أقوى تأثرا من غيرهم بالفلسفة واتجاهاتها، وبالمناخ الفكري المصاحب لها. وهنا يكمن تميز الجغرافيا الألمانية مقارنة مع غيرها، أي في طبيعة اختيارها للمواضيع التي اهتمت بها ودرستها.

1- المدرسة الألمانية والنشأة المضطربة:

  ساهم بشكل كبير الجغرافيين الألمانيين همبلت وريتر في تأسيس الجغرافيا المعاصرة، وخصوصا هذا الأخير الذي يرجع الفضل له في ضبط مادة الجغرافيا وحصر توجهها، إذ عكف على صياغة منهج علمي وفق فلسفة غائية تجمع بين الطبيعة والإنسان في وحدة متكاملة. لكن ريتر لم يؤسس مدرسة، بل لم يكن له تلاميذ وأتباع، باستثناء ركلي. ورغم ذلك ظلت أفكاره تحيا لما يزيد عن نصف قرن، اي السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، حتى احتضنها الهواة وفرطت فيها الجامعات، وبالتالي تراجع وانتكس الفكر الجغرافي الريتيري وتدنت معها الجغرافيا خلال تلك الفترة إلى درك العلوم، مكتفية بدور تجميع المعلومات والمعطيات وتقديمها للتاريخ والعلوم الأخرى، أي العودة إلى المرحلة الوصفية والانحصار في حدودها.

2- عودة الروح:

  في خضم هذا التراجع استطاع راتزل بفضل كتابه "الجغرافيا البشرية"، الذي نشره سنة 1882 حماية الإرث الريتري من الضياع التام من جهة، والحفاظ على وحدة المادة من جهة أخرى.

  أما هتنر فقد تفطن إلى ما أخد يداهم الجغرافيا من صعوبات جمة قد تعرض وحدتها إلى التفكك والتلاشي، لذلك سارع إلى الاعتناء بقضية المنهج وتأصيل المادة انطلاقا من قناعاته الريترية من جهة، وتعاليم معلميه من جهة أخرى أمثال كرشوف ورختون وفيشر. وتتمحور الفكرة الرئيسية لهنتر في أنه إذا كان توزيع الظواهر على سطح الأرض ميدانا دراسيا لا ينازع الجغرافيا فيه أحدا، فإن موضوعها ينصب أيضا على تحليل التنوع الإقليمي للقشرة الأرضية.

  وظل هتنر من سنة 1875 إلى 1930 يدافع بعزم وثبات عن رأيه، داعيا بقوة للأخد بالمنهج الإقليمي مستشهدا بكانط أو ببعض الفلاسفة الكانطيين الجدد مثل ركرت و وندلبند، فهو يرى أي هتنر "أن المقصر في أمر الجغرافيا الإقليمية ضال عن الجغرافيا نفسها: فمن لم يفهم ذلك ما كان جغرافيا بحق". إلا أن التصور الإقليمي عند هتنر لم يكن ليغير من أوضاع الجغرافيا العامة كما رسمها رختوفن.

3- حركة التجديد:

  ظلت الجغرافيا الألمانية، إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، ورغم ما شهدته من نقاش وجدال، تعيش حالة اضطراب بسبب الغموض الذي بقي يكتنف موضوعها. ويذكر جيتسبك أن مفهوم "اللاندسكيب" الذي أخصب الجغرافيا الألمانية وبعثها من مرقدها، مفهوم ولد في أحضان المدرسة الابتدائية، أي ما يسمى بالجغرافيا السردية أو الموسوعية. وفي بداية القرن العشرين تخلصت الجغرافيا الألمانية من تأثيرات راتزل وقامت بتطوير موضوع البيئة وإفراغه في قالب الدراسة الإقليمية وفق ما كان يراه هتنر ورختوفن ومن سبقهما من كبار جغرافيي القرن التاسع عشر، وإن  كانت الجغرافيا الإقليمية ستركز بالأساس على موضوع استأثر بكل الاهتمامات خلال تلك الفترة ألا وهو "اللاندسكيب" أي "ال

هناك تعليق واحد: