الثلاثاء، 31 ديسمبر 2013

سواد الواقع.

كيف يمكن أن نتحدث بسهولة في ظل هذا الواقع الذي يكرس كل يوم مشاهد السواد. كيف يمكن أن نحكي للأطفال قصص كلها تنتمي للماضي تم نطالبهم غدا بالتخلي عنه، هل أصاب الفقر حاضرنا حتى لم نجد من القصص ما نحكيها.

  كيف يمكن أن نشاهد في كل لحظة ما يجري في وطننا الكبير تم نكمل المسير مبتسمين إلا إن كان هذا الوطن خدعة من أوهام الإنسان المعاصر. ففي الأخير الإنسان لا يستطيع الإنفكاك من ذاتيته وأنانيته إلا لكي يرتمي في تضخم اخر سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا، فيتجلى لنا هنا مفهوم التضحية ولكنه مجرد خروج اخر لأنانية ظلت مقموعة لم تستطع أن تعبر عن ذاتها بطرق اخرى.

  الانسان في هذا الوطن عبارة عن معادلات رياضية تنتمي إلى منطق الربح والخسارة، مجرد أدوات لتحقيق أهداف، حين ينتهي الهدف منها يتم رميها في هوامش المدن.


  كيف لا يصاب بالجنون وبالحمق نصف الشعب، وهو لا يحصل على أبسط ما يتمناه المرأ من مأكل ومشرب وملبس. هل يمكن أن يكون هذا إنسانا؟ 

في هذا الوطن كلنا مختصبون.

  في هذا الواقع الذي أحب أن يلبس رداء السواد، في هذا الواقع الذي عشق الليل وكره ضياء النجوم، من الغريب فيه أن نحلم بشيء جميل، أن نطالب بالقمر والشمس بالحب والجمال. هذا الوطن شخصا اختاروا أن يجعلوا وجهه علامة للبشاعة والكره والظلم. كيف لا وأجمل شيء فيه لم يستطع أن يحميهم، إنهم أطفاله وأبناءه الصغار. إن ما حدث ويحدث هو جزء صغير من بشاعة الجرائم المرتكبة في حق أبناء ونساء ورجال هذا الوطن. إننا جميعا ضحايا لدانييل الأكبر، كل يوم يمارس الإختصاب في اقتصادنا وسياستنا وثقافتنا، كل هذه الأشياء أصبحت مختصبة. نعم، يجب أن ننتفض لما حدث ولكن لا ننسى أنه بجوارنا ألاف من أشباه دانييل الذين لا يعرفون ما نقول لا يعرفون الرحمة ولا الكرامة ولا العدالة لا لا لا كل هذا مجرد تراهات وهراء، المهم عندهم أن يكونوا الهة هذه الأرض من نوعية الشياطين. إننا جميعنا نعاني الاختصاب تعددت المظاهر والمضمون واحد.
   وللإختصاب مساند رسمي وراعي يرعاه وحامي يحميه. إنها كارثة أن يحصل ما حصل ولكنها كارثة أعظم أن ننسى بسهولة أن نثق بسهولة وغباء، أن يعيدوا الكذبة تلو الأخرى ونحن نشاهد وفقط. إنها مصيبة وكارثة أن نختزل جميعا في كلمة "نعم"، أن تمحى "لا" من معجمنا، أن يمحى الشك والرفض من قاموسنا. كيف سنفهم بأننا جميعا بشر والبشر يخطئ، كيف سنفهم بأن الحاكمين ليسوا من صنف الالهة ولكنهم بشر كذلك. ما جدوى الاعتذار حينما يعني مزيدا من الظلم، كيف سيكون هذا الاعتذار الاتي من أفواه ملأتها روائح الكذب والظلم. نعم ما نطالب به رائع وجيد ولكن لا تنسى بأنك في مستنقع نتن، كيف تطالب التمساح أن يبكي دموعا حقيقية.
  جميل أن نحلم بالأفضل فهم يكرهون الحلم، ولكن الكوابيس بدأت تزاحم أحلامنا، ألأننا قلة أم أن حلمنا أصبح حلما وفقط. هل حتى أحلامنا بدأت تختصب. لا ندري ماذا نفعل وكيف سنسير بعد كل هذا، كيف سنواجه غذنا كيف سنجيب على مستقبلنا. كل الأشياء أصبحت مبهمة وغامضة خائفة من أن تنطلق فتطالها يد الإختصاب. وما أخطر المختصبين عندنا، إنهم لا يشبعون ولا يهنئون.
  الوجوه عديدة والمتهمون كثرة، كل يبرأ دمته، ولكن أليست هذه نفسها لعبة متقنة الصنع، أليست مسرحية جد واقعية، أليس من الغرابة أن نصبح دوما مشاهدين بلهاء مشاهدين من النوع الرديء.

في ظل هذا الواقع المفعم بالانحطاط، أمام أمل مختصب وحياة مختصبة بدون أدنى مقومات، حياة أصبح الشباب يعتبرها لا تستحق أن تعاش، حياة غلقت جميع أبوابها ونوافذها حتى أصبح غذنا ومستقبلنا هو الحاضر يكرر نفسه في مشهد كاريكاتوري بالأسود والأبيض. في هذه الخزانة المظلمة التي اسمها وطن كلنا مختصبون.

حوار في الفكر المنغلق.

  إن أي خطاب أيديولوجي شفهي أو كتابي يظهر أشياء ويخفي أشياء، وبالتالي فنقد هذا الخطاب لا يجب أن يقف في حدود الظاهر من النص (نص الخطاب) بل يجب أن يحفر ويفكك أو يتجاوزه إلى ما ورار الخطاب/ ميتافيزيقا النص، أي ما أراد الكاتب أو القائل إخفائه بقصد أو بلا قصد. وهنا أستحضر خطابات التنظيمات السياسية، سواء الطلابية أو الجماهيرية، التي يمكن أن نسقط عليها آليات نقد النص باعتبار هذه التنظيمات أجهزة لصنع خطابات ذات لغة مراوغة مخاتلة فهي في مستوى معين بنية نصية مستقلة لها ظاهر مباشر وباطن خفي. إذا من أجل ضبطها وحفر سطوح مظاهرها لاكتشاف الخلفية الأس، يجب امتلاك مطرقة النقد والتفكيك لاكتشاف المرامي الخفية والمختبئة ما بين المباشر من اللغة، إذ نجد مثلا تنظيما ما يرتكز في خطابه على نقد سلطة سائدة ولكن حين نتجاوز القراءة السطحية التبعية العاطفية نجد أنه يؤسس لسلطته هو، لا تبتعد في جوهرها عن السلطة الآنية، وليس كما يدعي هو في الخطاب المباشر.

   ولهذا فإن النقاش انطلاقا من الايديولوجيا –بالفهم السلبي لها- يجعل صاحبه ذو رؤية أحادية تقصي الاخر من إمكانية امتلاكه جزء من الصواب، إنها نظرة مركزية تجعل الكل يدور في مدارها وإن أراد أحد التحرك أو الاهتزاز تثار حوله كل الاتهامات. والايدولوجيا التي ترتكز على مبادئ شاملة وقارة تتحول مع الزمن إلى عقيدة جامدة تستخدم اليات التكفير والتخوين كجزء من ممارسة تتوهم فيها العلمية بالنسبة لبعض الماركسيين أو الايمانية بالنسبة للمتأسلمين.إنه خطاب مليء بالكراهية والحقد وعدم الثقة في الاخر لمجرد أنه مختلف، والاختلاف عدو الايديولوجيا، إن هذه الاخيرة محكومة بالخلاف وبسياسة التموقع الدائم ضد الاخر. نحن لا نقول بعدم وجود تمايزات في البنية الاجتماعية بكل مستوياتها الاقتصادية والسياسية والفكرية، وإنما نقول بأن النقاش الفكري تحكمه اليات وأسس إن غابت سيغيب معها جدوى الفكر من أصله، فبدون حوار ونقاش علمي جاد يحترم الاخر المختلف، لن يكون هناك إنتاج معرفي وإنما سيكون إنتاج سلطوي بمعنى اخر سيكون محكوما باستحضار منطق السيطرة والتحكم والتسلط. لا ننكر الصراع في الفكر لأنه جزء من الصراع العام الذي يخوضه المجتمع، غير أنه يجب علينا أن نميز ونفرق وإلا سقطنا في منطق التماثل والتشابه فيعود الجميع متشابها الفكر كالسياسة والسياسة كالاقتصاد ...وحينها لا جدوى من الفكر والعلم والتفكير. والصراع في الفكر تحكمه أدبيات وأخلاقيات منها تقبل كلام الاخر واحترامه وترك الفسحة له للتعبير بدون تحكم أو تهديد، ففي الفكر يحضر النسبي والمتعدد، والوجود فيه للحجة والبرهان لا للاتهامات والتهديدات والعنف الرمزي الذي يولد العنف المادي.
  فشعار أصحاب الفكر المنغلق هو إننا نتكلم بما نجهل لا بما نعلم، هذا شعار البعض في النقاش خصوصا أصحاب القوالب الفكرية والإجابات الجاهزة.  يريدون تغيير العالم وينسون بأنهم ليسوا وحدهم في هذا العالم بل هناك الملايين من البشر المختلفين. وما يحصل لأغلبيتنا هو أننا نجد قوالب فكرية جاهزة ونحشي فيها رؤوسنا، والعقل نتركه في الهامش إن لم نعدمه.
  وأصحاب الفكر المنغلق مبرمجون ليرو فقط سطوح الاشياء. أما العمق فيعني لهم المعاناة، فمن يستطيع أن يغوص في أعماق ظلمة المحيط، فكذلك ظلمة الفكر.
  وفي هذا السياق، تجد نفسك في نقاش مع بعض الماركسيين في دوامة من الانتقادات التي تنبني على مجموعة من التهم منها بأنك من تيار العقلانيين والتنويريين وكأن العقل والتنوير محصور في الفئة البرجوازية من المجتمع متناسين أو جاهلين بأن ماركسية ماركس هي نفسها قراءة ومحطة في سيرورة الحداثة وعقلنة المجتمع...هذه الظاهرة وهي سلبية أصبحت منتشرة  في العديد من النقاشات على المواقع والشبكات الاجتماعية الافتراضية، وللإشارة فإن العقلية الاتهامية لا تنحصر عند بعض الماركسيين وفقط بل هي ميزة كل فكر منغلق متشدد أي كل عقل قالبي يقولب كل شيء حسب منظوره للحقيقة.
  وحين تناقش البعض منهم يواجهك بأن نظريته علمية وليست عقيدة جامدة، فهي تساير تغاير الواقع. ولكن حين تنتقده في شيئ من أيديولوجيته وإن كان ثانويا يقوم ثائرا متهما إياك بالتحريفي والعديد من الاتهامات الاخرى. وهنا يجب أن نشير إشارة حفيفة لطيفة ألا وهي، إذا كانت الماركسية نظرية تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ فإنه لا مجال للحديث عن التحريف والتزوير لأن النظرية أصلا قابلة للنقد والنقض لذلك فهي نظرية، أما إذا كانت الماركسية عقيدة فحينها يمكن الحديث عن التحريف والتزوير ولكن لا يحق أن نسميها نظرية علمية بل عقيدة إيمانية أو دين أرضي جديد.

  والاتهام بالتحريف هو من بقايا التفكير الكهنوتي القرسطوي، من بقايا محاكم التفتيش واحكام الردة، مفهوم التحريف يخفي تلك الرغبة في التسلط على الاخر تلك النزعة الديكتاتورية في حصر الحقيقة، ثم يقول لك الماركسية ليست وحيا بل هي نظرية علمية، وما العلم عندكم إذا كان الاختلاف يعني التحريف والكل يعلم بأن الامور في العلم نسبية إذا الاختلاف ضرورة حتى في الاصول، فما سمعنا باتهام التحريف في الفزياء أو الكمياء أو الرياضيات...و إن كنتم أتيت بعلم جديد فذاك شأن اخر. ويقول لك نحن نتبنى الديمقراطية الاشتراكية وليس الديمقراطية الليبرالية، وحين تختلف يكفرك ويجعلك من المرتدين عن الوحي الماركسي، هذا في غياب امتلاك السلطة أما إذا امتلكها فسلام على الديمقراطية وسلام علي.


  وتجدر الإشارة بأنه لا يمكن أن نفصل وجود الأيديولوجيات المنغلقة غير القابلة لقبول أرضية التعدد والاختلاف، عن الارضية الواقعية أو الشروط الموضوعية لنشأتها، فهي ليست إلا نتاج لشروط اجتماعية تحتوي على تطرف في الازمة أو تطرف في استلاب الذات الفردية، فمن الطبيعي إذا في ظل واقع كهذا ،وهو واقع من البعيد أن يتغير جوهره ومضمونه؛ أن تظهر لنا الاجابات المتطرفة والتي ستظل دائما موجودة وإن تبدلت أشكالها مسايرة عدم تغير جوهر التاريخ الاجتماعي للبشرية.
  إذا منطق الفكر ليس هو منطق الايديولوجيا وإن استحضرت الفكر فهي تغيب التفكير، فـ" المنطق الذي يوجه الخطاب الأيديولوجي له طبيعة مختلفة،إنه سحري. فالأيديولوجية حين تبت في كل شيء تعطي لأنصارها الشعور بالسيطرة على العالم من خلال الفكر. ويعد هذا الامر تمهيدا سعيدا لسيطرة من نوع اخر. إن الطابع الموسوعي المفترض للايديولوجية هو الذي يشكل، في نظر التفكير العقلاني، سبب ضعفها الذي لا يمكن الشفاء منه. إلا أنه يصنع قوتها في أنظار الافراد القليلي الاعتياد على استعمال الأفكار." 1


1- "علم السياسة"، جان ماري دانكان، ص 187،188.

حول مفهوم "الثقافة السياسية" عند المدرسة الأمريكية.

يعتبر المؤلفون الأمريكيون من أبرز من ساهموا في دراسة مفهوم الثقافة السياسية ولا سيما غابرييل ألموند وبوويل ..
وقد انطلقوا في تحليلاتهم على أساس إبراز والتركيز على المواقف السياسية عوض مفهوم السلوك، "فالسلوك هو فعل خارجي يتبناه فرد ما. أما الموقف، بالعكس، فهو نزوع داخلي للرد بطريقة خاصة على وضع ما، إن الأول يمكن ملاحظته إذن بصورة مباشرة لأنه يحدث في الحين. أما الثاني، بالعكس، فإنه ليس كذلك. لأنه، بالرغم من كونه حقيقيا، ليس لديه إلا نتائج محتملة قد تتحقق أو لا، وفقا للظروف"1، بمعنى أن التركيز على السلوك لا يمكن أن يبرز لنا صورة شاملة خصوصا اذا أخدنا بالاعتبار انعزالية مجموعة من المواطنين وسلبيتهم السلوكية، عكس الموقف الذي يتضمن السلوك ويأطره.
غير أن الأمر يظل نسبي، خصوصا وأن وسائل وطرائق معرفة المواقف السياسية للأفراد تظل محدودة وغير قادرة على تحديد دقة وصدق الإجابة، خصوصا عند غياب سلوك تعبيري عن موقف سياسي ما، فالطرف المستجوب لتحديد موقف ما من خلال التحقيق أو الاستمارة أو الاستجواب... هي ذات الإنسان الذي يمكن أن يكذب أو يشوه إجابته أو لا يمتلك القدرة على التعبير بشكل جيد.
ويقسم ألموندو وبوويل المواقف السياسية إلى ثلاث فئات: إدراكية وعاطفية وتقويمية.

- فالإدراكية ترتبط بالمعرفة المتراكمة لدى الفرد حول السياسة ومؤسساتها ورجالها؛

- أما الفئة العاطفية فإنها ترتكز على المشاعر من خلال -مثلا- التعاطف مع هذا السياسي أو ذاك، القبول والتعاطف مع هذا النظام أو رفضه وكرهه، أو الميل إلى هذا التوجه السياسي أو نبذه؛

- أما الفئة التقويمية، فتتجلى في إعطاء قيمة معينة للوقائع السياسية من خلال علامة سلبية أو إجابية .

إلا أن هذا التقسيم لا يعني حسب جان ماري دانكان أن كل فئة لها استقلالية مطلقة منغلقة على الاخرى، بل هناك العديد من الحالات التي تترابط أو تتفاعل فيها هاته الفئات فيما بينها، إذ نجد مثلا أن وظيفة التقويم تتعلق في أكثر من حالة بإسقاط مشاعر وعواطف معينة على موضوع سياسي ما، كما أن العديد من الإدراكات ترتكز على العواطف...
وقد قاما الموندو وبوويل انطلاقا من تحليل تلك الفئات المشكلة للمواقف السياسية إلى بناء ثلاث نماذج كبرى للثقافات السياسية، وهي:

- الثقافة الهامشية: وهي التي تعرف بعدم الإهتمام بالنظام السياسي ولا بالحياة السياسية أي ليس لديهم موقف خاص ومحدد؛

- ثقافة الخضوع: والتي تتجلى في مجموعة من الأشخاص الذين يمتازون بالتبعية المطلقة للنظام السياسي وسلطته إذ يحترمونها سواء كانت حسنة أو مدمرة، فـ"وجود فكرة عمل فردي أو جماعي من شأنه التأثير على عمل السلطة هي فكرة غريبة عن هذا النوع من الثقافة"2؛

- ثقافة المشاركة: وتتجلى في فعالية بعض أفراد المجتمع للتأثير على السلطة السياسية إما لإصلاحها أو تغييرها وإما لتحقيق أهداف خاصة محددة.

إلا أن هذا لا يعني حسب المفكر الفرنسي ( في علم السياسة) جان ماري دانكان، أن نظرة المدرسة الأمريكية مكتملة، بل أثارت العديد من الإنتقادات، أهمها إعتماد المؤلفين الأمريكيين نظرة معيارية لا تبرز الفوارق الاجتماعية والعرقية واللغوية والمجالية الفاعلة والمحددة لبروز تلك النماذج.

1- دانكان (جان ماري)، "علم السياسة"، ص 155.

2- نفس المرجع،ص 157.


الاعتراف بالشر.


أنا شرير هذه هي الحقيقة.

على ماذا يمكن أن تدل هذه العبارة؟ هل عن الشر أم عن الخير؟ هل الاعتراف بها وما يرافقها من صدق خير أم شر لأنني أبنت عن شري. اليس هذا الاعتراف يحتوي على تناضرات ومرايا عاكسة بشكل مشوه للتناقضات، أليس انعكاسا مقلوبا، حقيقة زيف أم زيف حقيقة؟

إذا الامور نسبية،  الامور نسبية لأن فهمك ليس فهمي والعكس صحيح، ما الشر عندك وما الخير، يمكن أن يصبح الشر عنـدك خير عندي والعكس كذلك. اليس هذا الاعتراف جشاعة، وما أصعب من أن تعترف، رغم ذلك تظل هناك رائحة شر في الاعتراف، فهو سيأتي بالألم والمعاناة إلى الذات أليس هذا شر؟ ستتغير نظرة الاخر إليك ستصبح مشوها لديهم، أليس الكذب هنا فضيلة، الغير جحيم إذا أم لا. فهذه العبارة ستأتيك بالعطش والجوع إذا ما العمل؟ فالصدق والشجاعة صحراء ستحترق بها وفيها، أرأيت كيف أن الامور معقدة، إذا ماذا تفضل الكذب والراحة أم الاعتراف والمعاناة، هنا فكر في المجتمع الذي تعيش فيه.

ولكن هناك تساؤلات أخرى، ما أدراني بأن اعترافك صدق أم كذب، ما معيار معرفة الاخر؟ كيف أعرفك من اعترافك، كيف اصدق اعترافك؟ هل أنت اعترافك واعترافك انت وهنا صدق تطابق القول مع الذات، أم أنت لست اعترافك واعترافك لست أنت وهنا انفصال القول عن الذات. ولكن أليس الذات صاحبة القول وهي ذات ذاتها أيضا، عجيب وغريب أليس كذلك، ولكن ما معيار المعرفة. هل نتخلص من الشر بالشر فيصبح الشر خيرا، عجيب أيضا، فاضحك على هذا العجب فكل الأشياء عجب.

الاثنين، 30 ديسمبر 2013

حديث مختصر حول مرجعيات أرسطو


لم ينطلق أرسطو في خطابه من الفراغ، وذلك عكس مجموعة من التصورات التي سادة عن كيفية تأسيس أرسطو للمنطق، إذ نجد نوعا من التصور أو النظرة إلى أرسطو كأن بناءه للمنطق لم يتأسس على أسس ومرتكزات، وكأنه لحظة انطلاق من عدم. هذا التصور لا يعكس الحقيقة التي وصلت إليها البحوث والدراست الحديثة وفي أغلبها غربية وهي مرتبطة أشد الارتباط بما عرفته الحضارة الغربية من ثورة منهجية في دراسة تاريخ الافكار والنظم المعرفية، وهذا هو الذي مازال غائبا عن العقل العربي لذلك لم يشهد دراسات نقدية منهجية موازية. هذه الدراسات الحديثة بدلت وحولت تلك الأفكار المسبقة حول أسس ومظاهر الخطاب الأرسطي.

عموما، تحاول تلك الابحاث إبراز وتوضيح الأسس التي ارتكز عليها خطاب ارسطو في نشأته وتطوره وتلك الأسس تشكل مجموعة من الحقول المعرفية قبلية أو ما سماها عبد الله العروي بالثقافة القبسقراطية، فتجلت نصوص أرسطو من خلال تلك الدراسات كمجرد استقراء للمعلومات المكتسبة. أما عند الكتاب العرب سواء المتقدمين أو المتأخرين لم يعيروا اهتمامهم للثقافة اليونانية التي شكلت المادة الخام للخطاب الأرسطي، بل توقفوا في نظرتهم إليه كمعلم أول احتوى كل المعارف والحقائق بالنسبة للفلاسفة أو نظروا إليه كدخيل يجب رفضه بالمطلق بالنسبة للفقهاء.

هذه المادة الخام التي أسس عليها أرسطو خطابه، تتنوع وتتعدد، ويمكن حصرها في:

أولا: الخطاب السياسي القانوني، اعتبرت جاكلين دي روميي في نقاشها ل"العقل عند توقديد"، أن أعمال وتحليلات المؤرخ والقائد العسكري اليوناني المعاصر لحكم بريكلس، كان يمثل إحدى مكونات عقل أرسطو. وهذا نموذج من نماذج عديدة تبرزها هاته المفكرة.

ثانيا: الخطاب الجدالي، وقد كان ذو علاقة مع الخطاب السياسي. وقد ارتبط هذا الخطاب في مرتكزاته بسفوسطائيي ما قبل "الثورة الأخلاقية الأرسطية".

ثالثا: الخطاب الشعري، وهو "خطاب الملحمة والمأساة والقصيدة، خطاب المثل والتمثيل، خطاب البيان والمجاز".

رابعا: خطاب الرياضيات، والذي ورثه عن فيثاغورس ثم أفلاطون، وهو خطاب البرهان والضرورة واليقين.

خامسا: خطاب الطبيعيات، وبالضبط علم الطب الذي ساهم في تشكل معارف أرسطو حول الجسم وما يؤثر فيه من هواء وطعام ...

هذه الحقول المعرفية والتي هي مرجعيات تأسس عليها الخطاب الأرسطي، توضح لنا أن هذا الأخير نظرا لارتباطه بالثقافة اليونانية التي لم تكن كلا متشابها من جهة ونظرا لشمولية خطاب أرسطو من جهة ثانية، هو خطاب غير متجانس، إذ نجد عنده البرهان واليقين ثم نجد الشعر والمجاز ثم الجدل... إذا الخطاب الأرسطي ليس كما فهمه مفكرو الحضارة العربية الإسلامية خطاب متجانس موحد بعيد عن التناقض، فهو ليس خطاب قطاعي جزئي حتى يكون منسقا متناسقا.

خلاصة الأمر أن العقل لا يمكن أن يشتغل في بناء خطاب ومنه خطاب أرسطو على العدم، بل دائما على مادة مكتسبة يقوم بتفكيكها وتحليلها وإعادة تركيبها ليخلص إلى نفي أو حكم وتقرير جديد.

إذا متى سنتعلم درس المنهج؟

في مسألة "المجتمع المدني".




-  هناك ثلاث أسئلة تحدد طبيعة وهوية واستقلالية العمل الجمعوي: من نحن؟ وماذا نريد؟ وكيف نحقق ما نريد؟
- إن الإجابة على هاته الأسئلة هي التي تؤطر نوعية ممارسة وهوية أطراف المجتمع المدني، غير أن الأمر لا يقف عند هذا الحد بل يتجاوزه نحو تحديد طبيعة تعامل أطراف المجتمع المدني مع المجتمع السياسي، لذا من الضروري استحضار هذا المفهوم الاخير أي المجتمع السياسي أثناء مناقشة أدوار ووظائف المجتمع المدني الذي لا يتحدد إلا في علاقته مع ذاته ومع المجتمع السياسي.
- في هذا الإطار يجب اعتبار دور المجتمع المدني في المجتمع دورا موازيا للمجتمع السياسي لا أن نتطرق إليه  كطرف محدود وأدنى. ففي هذا السياق يمكن اعتبار المجتمع المدني طرفا يمارس عملية الضغط (الفعل) على السلطة السياسية إما لكي لا تنحرف عن المسار الديمقراطي وإما لتحقيق مجموعة من الأهداف والغايات، إلا أن المهم هو الإمكانية التي تتاح من خلال هذا الضغط لتحديد درجة أو مستوى ديمقراطية النظام السياسي وذلك من خلال طريقة وطبيعة الرد على هذا الضغط الممارس من طرف المجتمع المدني، هل هو رد بالمنطق الأمني/الإكراهي أم بمنطق القبول/الحوار ، وعبر طبيعة الرد يقوم المجتمع المدني بتأسيس رد فعل في شكل عملية تكييف وذلك  بالبحث ومناقشة كيف نحقق ما نريد؟ (يمكن استحضار نموذج مسارات العمل الجمعوي المغربي كنموذج لعملية التكييف مع تطورات ممارسة النظام السياسي). و انطلاقا من رد الفعل الذي يأسسه أطراف المجتمع المدني يمكن أن نبني ثلاث نماذج وهي: نموذج التابع للنظام السياسي، ونموذج المراوغ، ونموذج الرافض المتمرد.
- من خلال ما سبق نستشف بأن الممارسة العملية الهادفة لتحقيق غايات اجتماعية عامة تكون عبر سلطتين، سلطة سياسية وسلطة مدنية- وللإشارة فالسلطة هنا ليست جوهرا بل مجموع علاقات كلما تغيرت تغيرت معها طبيعة السلطة- والمقصود هنا هو أن توازنات السلطتين سواء في المجتمع السياسي أو المجتمع المدني لا تظل دائما كما هي بل يحكمها التغير، وهنا نستحضر مفهوم التكيف مع الواقع المتغير، لذلك نرى أن أطراف كلا السلطتين تعملان باستمرار على بناء استراتيجيات واعتماد تكتيكات من أجل الحفاظ على الوجود السياسي أو المدني. إلا أن العلاقات لا تنحصر عموديا وفقط ما بين سلطتين بل أيضا أفقيا من خلال علاقات أطراف المجتمع المدني مع بعضها البعض، وهنا يجب الإشارة إلى أنه من المستحيل أن يقع انسجام في أطراف المجتمع المدني نظرا لارتكازه على نماذج متعددة متباعدة ومتناقضة. أما في اطار العلاقات العمودية مع السلطة السياسية فالتفكير ينصب في الاليات ووسائل وقنوات الضغط على السلطة السياسية باعتبارها سلطة اتخاذ القرار، وهذا الضغط لا يكون على مستوى شامل أي لا يمارس بشكل مباشر بل انطلاقا من حقول البنية الاجتماعية، بعبارة أخرى فالبنية الاجتماعية ليست بنية ذات مستوى واحد بل ذات مستويات منها الاقتصادي والثقافي والسياسي ... هذه المستويات تبرز من خلال مؤسسات والتي يمكن اعتبارها حقول أو مجالات صراع ما بين السلطتين السياسية والمدنية، هذا الصراع محكوم بوجود إشكالية ما في حقل مؤسساتي ما يجب حلها مثل قضية التعليم أو قضية الصحة ... الخ، وطبيعة هذا الصراع تحكمه وتحدده أيضا نوعية النظام السياسي/ الدولة، فمثلا في الدولة المغربية نجدها ذات شكل يعقوبي تعمل على مركزة القرارات والمبادرات في مركز محدد أو مراكز معينة قليلة جدا هذا الشكل لم يقف في حدود النظام السياسي/ الدولة، بل طال حتى أطراف المجتمع المدني التي أصبحت تركز قراراتها ومبادرتها بشكل مركزي، إذا نحن أمام بنية فكرية يعقوبية تحكم الأغلبية. فهل يمكن إذا ممارسة عمل مدني حقيقي محلي أو جهوي في إطار وجود مركزي/يعقوبي للعمل السياسي؟ ألا تصبح البنية اليعقوبية للدولة المغربية معيقة لتطور المجتمع المدني وبالتالي يحتم الواقع تفكيك هاته البنية التي تحولت إلى شبكة تحكم تفكير الجل إن لم يكن الكل من أجل إفساح المجال الصحي والمطلوب للعمل المدني، خصوصا وأن المجتمع المدني أصبح يأخذ أدوارا عجزت الديمقراطية التمثيلية عن الوفاء بها. وهنا نصل إلى أن العمل الجمعوي سواء تنموي أو ثقافي أو رياضي ...إلخ إن لم يمارس سياسيا فهو يمارس بوعي سياسي.