الاثنين، 31 مارس 2014

بعض مشكلات الشأن الثقافي المغربي




1- الفوضى الثقافية:

  إن غياب الاتفاق وإن بشكل نسبي على مفهوم الثقافة وعلى رؤية واضحة لها، خصوصا عند من له ارتباط مباشر بحقل الثقافة ومن يمسكون بزمامها، من أوضح المؤشرات على وجود فوضى ثقافية منتشرة ومتغلغلة في خطابات وكتابات هؤلاء. وبدلا من مواجهة فوضى التعريف، نجد أن الأغلبية تناقش الإشكالات الثقافية الهامشية، إذا هناك خلط وبلبلة معتملة في أذهان المشتغلين بقضايا الثقافة.

  والفوضى هنا تأتي بمعنى الاضطراب والافتراق في الأراء، أي عدم الاتفاق على رأي حول مفاهيم رئيسية للثقافة بل حول مفهوم "الثقافة" نفسه.

  وحين نحيط النظر فيما هو منتشر من كتابات في الثقافة،  نجد أن الرؤية المهيمنة تندرج تحت المعنى الأكاديمي للثقافة، فيتم ربط الثقافة بالمتعلم، وفي جانب آخر يلتبس مع مفهوم الشاعر والروائي، فيشيع عند العامة من الناس أن المثقف يساوي الروائي أو الشاعر، خصوصا وأن الإقبال على نشر كتب الرواية والشعر تفوق بكثير نشر الكتابات والأبحاث العلمية والفلسفية. غير أن الثقافة لا تنحصر في المعنى الأكاديمي وفقط، بل هناك المعنى الحضاري والمعنى الميتافيزيقي والمعنى السيكولوجي والمعنى الاجتماعي.

  ومن العوامل المساهمة في الفوضى الثقافية انتشار ما يمكن أن نسميه بالعنعنة الكلامية والفكرية، والعنعنة هنا بمعنى الأخذ عن الأخر بشكل مستمر والبقاء محصورا في الإطار الذي يحدده لك الأخر، إنها نوع من العبودية الفكرية إنها مرض ثقافي. والعنعنة ليست مثل الحفظ، فيمكن للحفظ أن يحصل أكان لفظيا أو معنويا بدون أن يصبح الحافظ عبدا لما حفظه. فأي شخص يريد أن يقدم عملا ثقافيا ما فلا بد أن ينطلق من تراكم وليس من فراغ، والتراكم يحصل بالممارسة وحفظ الأشياء، غير أن المبدع هو الذي لا يظل محصورا في ما حفظه بل يشكل مما لديه تركيبا جديدا مخالف لما هو  سابق، بمعنى آخر يمكن أن تجعل مما حفظته وراكمته أساسا تبني عليه شخصيتك الثقافية الخاصة والمتحررة في نفس الوقت، وحصول التحرر مما حفظته يجعلك تستطيع التفاعل معه بشكل إيجابي و خلاق.

 وهناك خلط آخر في حقل الثقافة ساهم في تزايد الفوضى الثقافية، والأمر يتعلق بارتباط الشهرة مع مفهوم الثقافة، فنجد عند العديد من الأشخاص أن من يذيع صيته ويشتهر كثيرا يكون أكثر ثقافة. وهذا يشكل تهديدا خطيرا للثقافة في معانيها التي حددناها. وحتى لو أخدنا فقط بالمعنى الأكاديمي، فإننا نجد أن هناك بعض التخصصات والمجالات الثقافية لا تتيح إمكانية الشهرة والانتشار لأصحابها. فنحن نجد مثل السينما أو مهرجانات الموسيقى ... تستقطب جماهير غفيرة من جل المستويات والأعمار، سواء أكانوا ملمين بتفاصيلها ودقائقها أو كانوا جاهلين لها. ولكننا لا نجد نفس الشيء بالنسبة لمن يشتغل في الفلسفة أو الفيزياء والكيمياء ... فنجد تأثيرهم على مستوى الجماهيري محصورا في تلاميذهم ومن له دراية بتلك التخصصات. لهذا فلا يجب على المؤسسات الرسمية أن تأخذ بمعيار الكم والعدد في تحديد الأهمية، لأن الأهمية في الثقافة لا تتحدد بالكم بل بالنوع ودرجة التأثير أيضا، فحين ننظر إلى أهمية ونوعية الدراسات الفيزيائية والكيميائية... فسنرى دور والتأثير الذي يقوم به العلم في المجتمع.


2- التزييف الثقافي:

  من المشكلات الثقافية السائدة والشائعة عندنا ما يمكن أن نسميه بالتزييف الثقافي، ونعني به إظهار سطح وقشور الشيء دون التعمق في لبه ومضمونه. فنلاحظ أن البعض ممن يتطرق لمعالجة إشكالية ما أو قضية معينة يظلوا يدورون في جزئيات بسيطة بدون إعطاء الخطوط العريضة، إما لعجز منهجي أو لقصد وغاية مخفية. وهاته المشكلة تتجلى في مستويات عديدة خصوصا في المستوى المنهجي والمستوى اللغوي.

  فنجد لدى البعض لخبطة منهجية أو غياب المنهجية بشكل كلي، سواء في الشكل أو في التحليل والتركيب. وهذا يكون عائد في بعض الأوجه إلى رغبة في الكتابة من أجل الكتابة، بدون ضبط الشروط والكيفيات، أو عائد في أوجه أخرى إلى تشجيع بعض الجرائد والمجلات سواء الواقعية أو الافتراضية للنشر بدون تمحيص وبدون وجود لجان مراقباتية.

  وعلى مستوى اللغوي نجد مشاكل عديدة سواء في أسلوب وطريقة التعبير أو إستخدام الألفاظ لغير ما جعلت لها. إذ نجد البعض يتعمد الغموض في اللغة، أي الكتابة بلغة معقدة، ليظهر نفسه بأنه شديد في مجاله أو أنه عارف ملم بخبايا حقله المعرفي، غير أن هذا راجع إلى خلفيات سيكولوجية تتعلق بتضخم "الأنا". عموما فالفكر لكي يكون واضحا  يجب أن يكتب بلغة واضحة لكي يفهم المقصد والغاية ويستوعب المضمون ويناقش، أما إذا كتبنا من أجل أن تظل الأمور غامضة ثم ندعي بأنها موجهة لنخبة النخبة فإن هذا إما حمق أو غباء.

 ونجد التزييف الثقافي حتى على المستوى العملي الممارساتي، وهذ التزييف له ارتباط بالجهل بكيفة عمل الشيء أو كيفية الممارسة بالشكل الصحيح مع بقاء الادعاء الشكلي بالمعرفة، فهكذا تجد مدرسا قد اكتسب صفة المدرس شكليا ولكن مع التلاميذ لم تتحق هاته الصفة فلم يقتنعوا به وأصبحوا لا يطيقونه، وهذا محامي قد اكتسب صفة المحامي شكليا ولكنه عاجز عن إقناع القاضي أو الفوز بقضية ما، وهذا قاضي اكتسب صفة القاضي شكليا ولكنه تابع لمن يمده بالمال سرا ...

  ومن مظاهر التزييف الثقافي، السباحة مع تيار السلطة والمصلحة والبنى فكرية السلطوية ومسايرتها، عوض الرفع من قدرة تطوير القيم الاجتماعية وتحديثها بحيث تصبح مسايرة لجوهر العصر وروحه، وبناء القدرة أيضا على تجاوزه حينما يصبح بدون جدوى، هاته القيم  ترتبط بمجريات موضوعية وليس بمعطيات السلطة والمصلحة التي تعمل على تزييف الثقافة.

  3- غياب التخطيط الثقافي:

  يعد التخطيط في عالمنا المعاصر ضرورة حيوية وحتمية، ودليل على حداثة المجتمع. غير أننا في مجتمعنا نجده يتميز بميزة العشوائية في كل مناحي الحياة، فهناك عشوائية في الاقتصاد وفي السياسة وهناك عشوائية في التجارة والأسرة ... إلخ، ولا يخرج حقل الثقافة عن هذا المنحى أو الإطار الذي يميز مجتمعنا. فتجد أن الارتباط الحاصل ما بين المؤسسات الرسمية المعنية بالثقافة لا ينبني على رؤية واضحة واستراتيجية. فالاهتمام بالشأن الثقافي هو إهتمام موسمي يحكمه مبدأ الفرجة والاحتفال، وليست رؤية واضحة مبنية على مبادئ وقواعد منظمة ذات أهداف قريبة وأفاق مستقبلية من خلالها يتم المراكمة لتغيرات نوعية وكمية فيما يخص الإنتاجات الثقافية وأيضا فيما يخص التلقي الثقافي. وهذه العشوائية عائدة من جهة إلى أسباب موضوعية مرتبطة بالبنية الاقتصادية للبلد وتوجهات الأطراف المهيمنة على قواعد اللعبة، وأيضا بالثقافة التقليدية السائدة. ومرتبطة من جهة أخرى بأسباب ذاتية لها علاقة بغياب الإرادة لا سواء السياسية ولا الثقافية، ففي غياب الإرادة السياسية المتجلية في نوعية السلطة الحاكمة، لن يكون هناك مجال شاسع من الحرية الثقافية الذي يسمح بالتحرك بدون قيود كثيرة.

إسماعيل أعشير.

الأربعاء، 5 مارس 2014

أفكار في مسألة "التاريخ".


  إن التاريخ هو سيل مستمر إنه نهر متدفق باستمرار ليس له حدود،  إن التاريخ هو المتغير باستمرار. فكيف يمكن أن نعطي تصورا وفهما للتغير يكون غير متغير، أي هل من الممكن أن نفهم التاريخ بفهم ثابت. وهل قراءة التاريخ عبر التاريخ نفسه كانت دوما محاولة لضبطه من خلال ضبط علاقة الثابت والمتغير.
   هل في التاريخ ما هو ثابت وما هو متغير، وما على الباحث إلا أن ينقب ويبحث؟ أم أن كل الأشياء في التاريخ متغيرة وتكتسب صفة السيرورة والصيرورة؟
  إن جل الفلسفات والنظريات التي حاولت معرفة التاريخ منذ ظهور البدايات الأولى للحضارة البشرية، كانت ترتبط دائما بنظرة فلسفية عامة أو مرجعية من خلالها تستقرأ التاريخ، فنجد مجموعة من الأفكار تنطلق من دراسة الكون وأصل الكون والميتافيزقيا ثم تصل إلى حياة الإنسان.. فمعالجة التاريخ هنا -في البدايات الأولى- كانت تتم من خلال دراسة الإنسان سواء كفرد أو كجماعة، ولكن لم تكن هناك رؤية لمفهوم التاريخ في حد ذاته أي بشكل مجرد. فالتاريخ كان مرتبطا بوصف المجتمعات والحضارات وبداياتها وانهياراتها ومعاركها ... كان الوصف هو الآلية الطاغية إن لم تكن الوحيدة التي يتم من خلالها ممارسة التأريخ في نشأته، فهو علم مشهدي أي يرتكز على وصف المشاهد (ما تراه العين وتسمعه الأذن) في بداياته.
  كما أن مفهوم التاريخ قد تأثر بالمفاهيم والرؤى الميتافيزيقية الدينية خصوصا مع اليهودية والمسيحية التي أثرت بدورها في عملية التأريخ الإسلامية كما نجدها عند ابن كثير والطبري والزمخشري وآخرون ... فرؤيتها للتاريخ مفعمة بخلفية التدخل الإلهي ومحاولة منطقة التاريخ كسير نحو نهاية معلومة، وأن التاريخ هو صراع ما بين قوى الشيطان والقوى الملائكية.
   فالمعالجة الدينية للتاريخ ليس بالضرورة هي معالجة التوراة أو الإنجيل أو القران، فهي أيضا التأويلات والتفسيرات التي أعطيت للأحداث الموجودة في الثوراة والإنجيل والقران، فهي مجموع تراكمات للتأويلات والتفسيرات التي أعطاها التابعين والمتدينين لنصوصهم الأصلية.
  غير أنه لا يمكن أن نتطرق إلى المراحل التي مرت منها عملية التأريخ وكأنها مراحل منفصلة ومستقلة عن بعضها البعض، بل نجد المضامين الفلسفية التي برزت في الحضارة الإغريقية والحضارة الهيندو-صينية تتداخل في نقط تاريخية معينة ومحددة مع التفسيرات الدينية، غير أن ما استجد في القراءة الدينية للتاريخ هو ظهور مفهوم الغاية في التاريخ، ووجود مخطط لمسار حياة البشرية، فلم يعد الأمر يقتصر على وصف الأحداث والمعارك بل هناك عامل فاعل ومفسر لكل ما يحدث، وكل ما يجري هو من أجل غاية يتحرك التاريخ في مسار تحقيقها.
  إلا أنه مع التحولات التي عرفتها البشرية في فترات تاريخية متأخرة، من ثورات علمية وصناعية واجتماعية ... ظهرت نماذج تحليلية وتفسيرات جديدة ومناهج مغايرة، وبالتالي تعددت الرؤى والمدارس من الوضعية إلى المثالية الجديدة إلى الماركسية ... غير أن المشترك في كل هذه المدارس في  محاولاتها لتفسير حركة التاريخ، هو التأثر بالتحولات التي عرفتها العلوم الطبيعية خصوصا الفزياء وبالضبط مع بروز مفهوم القانون، فحاول أصحاب التاريخ أن يفسروا التاريخ من خلال اكتشاف قوانين معينة هي التي تعمل على تحريكه وتحديده، فهناك من رأى ذلك في الاقتصاد وهناك من حصره في روح العرق وهناك من رآه في الصراع حول المجال الحيوي ... إذا الكل حاول أن يستكشف من التاريخ منطقا يحكمه ويحدد حركته.
  إلا أن هاته التحولات لا تعني وقوع قطيعة على مستوى المضمون إذ نجد أن مجموعة من المدارس الحديثة في تفسير التاريخ، وإن غيرت وجددت واكتشفت عوامل مفسرة جديدة إلا أنها حافظت على الرؤية الغائية، مثلا في المدرسة الاشتراكية الماركسية نجد دوما حضور الغاية الكبرى وهي الشيوعية، ونجد مثلا عند مدرسة "روح العرق" غاية وحتمية انتصار العرق النقي الأرقى....

  إن التاريخ كمفهوم هو عبارة عن محاولات دائمة لمنطقته، هو محاولات مستمرة لإسقاط الثابت على المتغير.

الاثنين، 3 مارس 2014

صور سريعة في شوارع السياسة.



الصورة الأولى

على رغم من كل ما يقال عن التنظيمات والأحزاب وما جاورها، فسيظل المستفيد من كل الإحداث والتراكمات هي هاته التنظيمات نفسها، ولذلك لا بديل عن التنظيم لمن يريد أن يمارس السياسة. فأما الذي لا يرغب في السياسة باعتبارها سلطة فلا يجب أن ينتقد هذه التنظيمات والأحزاب القريبة إلى فكره بشكل عام. وللتوضيح أكثر فلينين وكل الأعلام الماركسية حينما انتقدت التنظيمات والأحزاب المختلفة إنما كانوا ينطلقون من نفس الموقع أي من إطار تنظيمي فكان النقد نقدا حزبيا، لذلك ستعرف تنظيمات اليسار الجذري نفس النقد والمسار الذي كان يعيبونه على الآخرين، فالتنظيم والحزب من طبيعته وجوهره البيروقراطية والتخميم في حسابات الخسارة والربح. لذلك هناك خياران إما التضحية المجانية من أجل الجماهير وفي الحقيقة ستستفيد منها الإطارات المنظمة وليست الجماهير نفسها، وإما التكتل في تنظيم فنسقط في نفس الإشكالات التي نعيبها على الأخر القريب لنا، وإما سنعيد نفس السيناريوهات التنظيمية السابقة بشكل كاريكاتوري.Haut du formulaire
******
الصورة الثانية

في نظري يجب أن نفرق ما بين الشعارات التي ترفعها الجماهير والشعارات التي يرفعها حزب سياسي معين، فالشعارات الحزبية دائما تكون تابعة لحسابات الربح والخسارة وهذا شيئ طبيعي نظرا لطبيعة الحزب في حد ذاته كآلية للوصول إلى السلطة. أما الجماهير فالمنطق الذي يسيرها منطق مختلف بل هو مرتبط أشد الارتباط بحاجياتها الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فالفصل ضروري حتى لا نسقط شعارات حزبية على الأفق المطلبي الجماهيري، بل الذي يجب أن يكون هو تغير الشعار العام أو المطلب الأساسي للحزب بتغير نوعية وكم الحركة الجماهيرية.
*******
الصورة الثالثة

حينما تصبح الأشياء ممجدة في العالم الاجتماعي وصراعاته، فاعرف أنها لم تقوم لها قائمة، واعرف أنها أصبحت فعل ماض.

******

الصورة الرابعة
من السخافة بمكان أن نقول بأن ما يحدث في العالم العربي من رجات وانتفاضات مجرد تراجعات وانتكاسات .. تراجعات عن ماذا ؟ ما هو معيار الحكم ؟ وكأن نظام مبارك أو القذافي أو بن علي ... كان نظام تشع منه أنوار الديمقراطية ... يا أخي ما دامت البنى الاجتماعية تحمل تناقضات مأزقية من الحتمي ستؤدي إلى انفجارات سواء أححببنا ذلك أم كرهناه، فالامور ليست إرادوية نختار متى ينفجر الوضع ومتى لا ينفجر.
والحديث بلغة السلب والقدح في الجماهير وشعوب المنطقة هو حديث هراء لأنه يغفل أو يتناسى من سبب هذا الوضع وما الشروط التي أفرزت لنا مثل هاته الجماهير... هذه الأخيرة لم تنزل من السماء أو ظهرت من العدم
، بل هي نتاج سيرورة تاريخية. أما فيما يخص مسار التاريخ فهو لا يحتاج إلا النظرة الرومانسية للبعض حول الانتقال السلسل والسلمي بعيدا عن الصراعات الدموية .. بل التاريخ البشري هو تاريخ شلالات من الدماء، تاريخ القفزات على جماجم البشر. ما قلته هنا هو في إطار القول النظري أما فيما يخص الممارسة السياسية اليومية فتحدث تفاوضات وتراجعات وتنازلات ونوع من الانتظارية ولكن هذا ليس عاملا أو محددا للحديث بسلبية وكراهية ضد ما يحدث في العالم العربي وضد الشعب.

 *******

الصورة الخامسة

من خرافات التي قرأتها في كتابات زعيم الماويين أي ماوتسي تونغ قولته الشهيرة "العدو نمر من ورق" يعني أن العدو يظهر قويا ولكنه في الحقيقة وجوهره ضعيف، لو كانت هاته القولة صائبة فلماذا عاد العدو من جديد وسيطر على الحزب الشيوعي الصيني وأقام الرأسمالية التي أصبحت من الدوائر الرأسمالية الكبرى، ولماذا التاريخ يشهد بغلبة هؤلاء النمور من الورق في جل وأغلب الثورات. (ما تقرأه في كتب ستالين وماو تسي تونغ هو عبارة عن تحاليل عاطفية غير علمية).


“التأصيل الحقوقي للحق في التعليم العمومي”


1-إن أول سؤال يتبادر إلى الذهن هو لماذا التعليم حق من حقوق الإنسان؟

لأن ثمة ما يناهز بليون من البشر في القرن الواحد والعشرين غير قادرين على الكتابة ولا القراءة، يعادل هذا الرقم سدس مجموع سكان العالم وهو رقم في ازدياد.
فالحق في التعليم يكتسب أهميته وضرورته لما يوفره للفرد من إمكانية وعي باقي حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وممارستها، فحقوق الإنسان بشكل عام لا يمكن ممارستها بشكل مجدي إلا بالحصول على مستوى كافي من التعليم. كما يشكل الحق في التعليم خصوصا للأقليات العرقية واللغوية وسيلة أساسية لصون هويتها الثقافية وتعزيزها.
إن التعليم يمكن أيضا أن يساهم في تعزز التفاهم والتسامح بين الأمم والجماعات العرقية أو الدينية ويمكن أن يساعد على إنشاء ثقافة حقوق إنسان كونية.


2-
الحق في التعليم من خلال المواثيق الدولية:

 
يعتبر الحق في التعليم من الحقوق الإنسانية الأساسية التي كفلتها جميع المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية؛ وقد وردت في ذلك عدة مواد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة،وغيرها من مصادر القانون الدولي.
 
فالحق في التعليم تم الاعتراف به عالميا منذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، ومنذ ذلك الحين نصت عليه مختلف الاتفاقيات الدولية والدساتير الوطنية وخطط التنمية. ومع ذلك، في حين أن الغالبية العظمى من البلدان قد وقعت وصادقت على الاتفاقيات الدولية (مثل اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل)، فإن عددا قليلا من الدول دمجت هذه الحقوق في دساتيرها الوطنية أو وفرت الأطر التشريعية والإدارية لضمان تحقق هذه الحقوق في الممارسة على أرض الواقع. فبالنسبة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر عام 1948 ورد فيه فيما يخص الحق في التعليم في المادة السادسة والعشرين التي نصت على أنه:
لكل شخص الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزاميا وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة.
يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماء كاملا، وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية، وإلى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام.

للآباء الحق الأول في اختيار نوعية تربية أبنائهم.

أما العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فنص في المادة 13:

-
تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم. وهي متفقة علي وجوب توجيه التربية والتعليم إلي الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والحس بكرامتها وإلى توطيد احترام حقوق الإنسان، وتمكين الفرد من خلال التعليم على المساهمة الفاعلة الايجابية في المجتمع.
- وتقر الدول الأطراف في هذا العهد بأن ضمان الممارسة التامة لهذا الحق يتطلب:
- جعل التعليم الابتدائي إلزاميا وإتاحته بالمجان للجميع؛
- تعميم التعليم الثانوي بمختلف أنواعه، وجعله متاحا للجميع بكافة الوسائل الممكنة والأخذ بمبدأ المجانية بشكل تدريجي؛
- جعل التعليم العالي متاحا للجميع بدون أي تمييز، والأخذ تدريجيا بمجانية التعليم؛
- تشجيع تعليم الكبار الذي لم يستكملوا تعليمهم أو لم يتلقوه إطلاقا؛
- تحسين الأوضاع المادية للعاملين في التدريس.
و تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الأباء أو الأوصياء، في اختيار مدارس لأولادهم غير المدارس الحكومية، شريطة تقيد المدارس المختارة بمعايير التعليم الدنيا التي قد تفرضها أو تقرها الدولة.

كما ورد ذكر الحق في التعليم في الكثير من المواثيق والعهود الدولية المعترف بها مثل اتفاقية حقوق الطفل في المادة 28 وفي المادة 23 التي تتعلق بحقوق الطفل المعاق، كما ورد أيضاً في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في المادة رقم 10 التي تؤكد على ضرورة التساوي في المناهج الدراسية، وفي الامتحانات، وفي مستويات مؤهلات المدرسين، وفي نوعية المرافق والمعدات الدراسية؛ والـقضاء على أي مفهوم نمطي عن دور المرأة ودور الرجل في جميع مراحل التعليم بجميع أشكاله، تنقيح كتب الدراسة والبرامج المدرسية وتكييف أساليب التعليم، والتساوي في فرص الحصول على المنح والإعانات الدراسية الأخرى.

من خلال ما سبق نلاحظ أن أهم القضايا التي وردت في النصوص الدولية هي:

1. 
إلزامية ومجانية التعليم الأساسي؛

2. 
إزالة أي نوع من التمييز في الوصول للتعليم على أساس الدين أو الجنس أو اللون أو العرق أو الإعاقة؛
3. 
جعل التعليم العالي ممكنا بقدر من العدالة والمساواة؛

4. 
نوعية تعليم جيد تلائم روح العصر وتراعي معايير حقوق الإنسان ومبادئ العدل والسلم؛

5. 
حرية أولياء الأمور في اختيار نوعية التعليم التي تلاءم أبناءهم.

أما على مستوى مؤشرات الحق في التعليم فهناك الكثير من المؤشرات التي يمكن استخدامها للتعرف إلى مدى التزام الدول بتوفير الحق في التعليم للجميع منها:

-
إلزامية ومجانية التعليم؛

-
المدارس والتجهيزات المدرسية؛

-
المناهج ومدى ملاءمتها للتطور العلمي.

إلا أنه رغم تعدد المواثيق الدولية والمعاهدات التي تضمن الحق في التعليم، فإننا نجد في الواقع عكس ذلك في العديد من الدول خاصة الدول النامية، التي تنتهك حكوماتها العديد من الحقوق الإنسانية وليس فقط حق التعليم.

3-
الحق في التعليم في ظل الأوضاع العالمية الراهنة:

 
أما على مستوى الحق في التعليم في المرحلة المعاصرة التي يمكن أن نحدد بدايتها انطلاقا من انتهاء الحرب الباردة وهيمنة مشروع العولمة اللبرالية على المستوى العالمي، أي انتشار اقتصاد السوق والخوصصة وتزايد سيطرة المؤسسات المالية الدولية على البلدان النامية، الأمر الذي انعكس حتى على حقل التعليم، الذي أصبحت هاته المؤسسات تسطر سياساته ومخططاته. إن هذه المخططات الصادرة من طرف المؤسسات المالية العالمية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ... أحدثت بالدول النامية العديد من المشاكل من أبرزها تزايد الفروق الاجتماعية والاقتصادية والمجالية، هذا أثر بشكل سلبي على حقل التعليم بالبلدان النامية. فرغم أن هذه المؤسسات المالية تؤكد على أهمية التعليم باعتباره استثمارا في تنمية الرأس مال البشري فإن الامر في الواقع نجده بعيدا عن ذلك، إذ أن هذه المؤسسات بالتحديد هي التي تجبر الحكومات على الحد من الإنفاق العام بما فيه الإنفاق على التعليم، من أجل الانصياع للشروط الصارمة التي ترتبط ببرامج التكيف الهيكلي.
وعلى المستوى العالمي تفيد بيانات جديدة صدرت عن معهد اليونسكو للإحصاء بأن التقدم المحرز في توفير التعليم للجميع قد توقّف وأن عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس ممن هم في سن التعليم الابتدائي بلغ في عام 2010 المستوى عينه الذي كان عليه في عام 2008 أي 61 مليون طفل. وقد تراجع عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بصورة متواصلة في السنوات الخمس عشرة الماضية. وكانت الفتيات اللواتي مثّلن 58% من مجموع الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في عام 2000، مقابل 53% في عام 2010، أكثر الفئات انتفاعاً بالجهود المبذولة لتعزيز فرص الانتفاع بالتعليم. ولكن عجلة التقدم قد توقفت ولم يُسجل أي تحسُّن في عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس.
وتشير تقديرات معهد اليونسكو للإحصاء إلى أن 27 بالمائة فقط من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس البالغ عددهم 61 مليونا في العالم قد يحصلون على فرصة الانتفاع بالتعليم، وأن 26 بالمائة من هؤلاء الأطفال سيدخلون إلى المدرسة من دون إتمام تعليمهم، في حين أن 47 بالمائة منهم لن تتسنى لهم أبداً إمكانية الالتحاق بالتعليم. وأغلب الدراسات تشير إلى أن الفقراء وسكان المناطق النائية والفئات المتأثرة بالنزاعات والأشخاص المنتمين إلى الأقليات الإثنية والعرقية واللغوية هم الذين يُحرمون في الغالب من الحق في التعليم.
إذا من خلال ماسبق، نلاحظ أن هناك فروقات شاسعة ما بين ما يتم تقريره على مستوى المواثيق الدولية أو الوطنية، وما بين ما هو حاصل في أرض الواقع من تراجعات وخروقات خطيرة في الحق في التعليم، هاته التراجعات هي عائدة إلى مجموعة من العوامل والأساباب، لكن يظل أبرزها تحكم المنظور الاقتصادي في تسطير البرامج والمناهج التعليمية، الامر الذي يربط أي محاولة أصلاح أو تغيير بمنطلق ومبدأ الربح الاقتصادي وإعادة إنتاج نفس علاقات الانتاج.
 
نشر في موقع الأوان: بقلم صاحب المدونة إسماعيل أعشير
http://alawan.org/article12915.html