السبت، 4 يناير 2014

التضليل السياسي


  يعتبر التضليل السياسي وسيلة من الوسائل الناجعة في السيطرة على الجماهير من طرف الفئة المسيطرة والطامحة إلى السيطرة، فهو سلاح فتاك يقتل العقول و النفوس ويتحكم بالاجساد. و لذلك تكتسب الاحاطة الفكرية والعلمية بطرق التضليل السياسي دورا مهما في تعريته وفضح عملية التحكم التي تتعرض لها الجماهير، وايضا في تطويراليات الدفاع والمناعة ضد هذا التضليل أي كاليات دفاعية يجب أن تمتلكها الذات الفردية للحفاظ على ذاتيتها.
  فالتضليل السياسي هو مجموعة من التقنيات و الاليات من خلالها يتم استهداف المكونات العقلية و المكونات النفسية للذات الفردية لجعلها تابعة وخاضعة، فهو ممارسة او مجموعة من الممارسات قديمة لقدم الممارسة السياسية نفسها. فالتضليل يرتبط ارتباطا و ثيقا بالسياسة، فمنذ وجدت السياسة وجد تضليل وخداع، وذلك اعتبارا للواقع العملي وليس التعريفي للسياسة باعتبارها دفاعا عن مصالح معينة، وهذا التضليل يتغلغل في كل العناصر المكونة للسياسة. وهذا يستدعي القول بأن العلاقة بين  الاخلاق و السياسة لم تكن علاقة مثالية في معظم وجل الانشطة السياسية القديمة و الحديثة، فغالبا ما انتهكت الاخلاق ومصالح العموم لحساب المصالح الضيقة، وغالبا ما كانت الطرق المتنوعة التي أنتجها مفكرون وفلاسفة للتلاعب بالاخر أداة أساسية في يد السياسيين لانتهاك الانسان لبعضه البعض.
  ويتميز التضليل السياسي بتعدد طرقه ومنها الديماجوجية السياسية التي تصبح تضليلية بشكل فعال عندما يتحول رجل السياسة الى مداهن للشعب وتتحول ممارسته الى مدالسة للشعب. وأيضا التكيفية السياسية والتغيرية السريعة والمتكررة المستندة الى سمات مثل غباء الجماهير ولاعقلانيتها، بالاضافة الى مجموعة من الطرق الاخرى كالخلط والالتباس المتعمد والغش واثارة الغموض، والتضليل بواسطة المناورات السياسية كالتظاهر بالانسحاب، والاشتباك السياسي المصطنع، وتمثيل الهجوم… وتقنيات الكذب والرياء السياسي.
ربما لايكون من المبالغ فيه القول ان الاحاطة بالاليات و طرق التضليل السياسي من خلال منهجية التحليل النقدي للخطاب و المقاربة المعرفية، تعد ضرورة لكل من يرغب في التعرف على ألاعيب "حقل المكيدة" ولكل من يحملون على عاتقهم مهمة تحرير البشر من "ألاعيب حقل الشيطان" أي رجل السياسة الذي يطمح لاستغلال الاخر، وايضا تعرية ممارسة التضليل وتنمية وعي الجماهير بمخاطره وكيفية مواجهته ومن تم تعديل استجابته للغة السياسية على ضوء هذا الوعي -أي وعيا نظريا بطرق التضليل- وذلك يتطلب الاستمرار في نقد الخطابات السياسية لاكتشاف أسسها الخفية وتفكيك سلطة الهيمنة و التحكم التي تنتجها الخطابات والممارسات السياسية، خاصة حين يرتبط التضليل بالقهر والظلم كما هو الحال في عصور الاحتلال الخارجي او الديكتاتورية الداخلية.
   فالغاية من هذا هو ان تكتسب الجماهير المستهدفة بلغة التضليل والتي تتعرض للخداع و السيطرة، وعيا نظريا يسمح لها بتحليل الخطابات السياسية وتحديد موقعها من داخل البنية الاجتماعية. والفئة المثقفة والمعنية بخطاب التفكيك والفضح (التي في الغالب هي نفسها تلعب نفس لعبة التضليل والخداع) يجب أن تكون غايتها تحرير الجماهير أو جزء منها من تأثير هذه الخطابات، لا امداد رجال السياسة الطامعين لإعادة أنتاج نفس سيناريو الهيمنة والتحكم بمزيد من تقنيات التضليل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق