الاثنين، 13 يناير 2014

أفكار حول "الثقافة والاعلام في الرأسمالية"


  إن الرأسمالية في تجاوزها للحدود القومية من خلال توزيع السلع الاستهلاكية مثل "كوكا كولا" و "ماكدونالدز" ... تعمل أيضا على توزيع سلعها الثقافية على أساس الطموح نحو ثقافة رأسمالية واحدة، هذه الثقافة هي في الحقيقة كما أشار إلى ذلك "بودريار" ثقافة نمط الحياة الامريكية. وقد عبرت بعض التيارات خصوصا اليسار الامريكي الجديد على هذا الوضع بعبارة "الإمبريالية الثقافية".
  وحسب هيربرت شيلر فإن الشركات العابرة للقوميات أو ما يعرف بالشركات المتعددة الجنسيات لا تقف في حدود امتلاكها للقوة الاقتصادية والسياسية بل تصاحبها قوة أيديولوجية تنبني على مجموعة من القيم التي تتلخص في النزعة الاستهلاكية. وتعمل المؤسسات الإعلامية الكبرى العالمية على دعم توسع هاته القيم المصاحبة لتوسع الشركات الرأسمالية. فالأمر كما يقول جون توملينسون "يدرك في صورة كلية ثقافية، الأسلوب في حياة والنهج التنموي الذي تتبعه الدول النامية"1، بمعنى أن هذا الاسلوب في الحياة والنهج التنموي لم يكن نابعا من اختيارات وإرادة الشعوب المتخلفة بل تابعا للسياسات ومصالح ورؤى المؤسسات العالمية الكبرى التي تشتغل بشكل موازي لمصالح الشاركات العابرة للقوميات.
  فالرأسمالية لا تشكل ولا تحدد الاقتصاد السياسي العالمي وفقط، لكنها من خلال الميكانزمات الاقتصادية- السياسية تحدد الثقافة العالمية من خلال "... توزيع المنتجات الاعلامية المسلعة التي تحتوي على روح وقيم رأسمالية الشركات والنزعة الاستهلاكية".
  في هذا السياق نجد أيضا كتابات هيرمان وماكيزني خصوصا كتابهما المشترك "وسائل الاعلام العالمية"، الذي يعرضان فيه دلائل قوية حول "التركيز والاندماج المتسارع للسيطرة على وامتلاك الانظمة الاعلامية العالمية في أيدي عدد قليل من الشركات الرئيسية العابرة للحدود القومية: مثل تايم وورنر، وديزني، ونيوز كوربوريشن، وفياكور، وبرتلزمان..."2، هاته السيطرة على وسائل الاعلام ضرورية لتدعيم القوة الاقتصادية والسياسية، وذلك من خلال تسييد أنماط فكرية معينة، والتي يرتكز استقرار النظام على مدى القبول الجماهيري بها. وهذا ما يتجلى في الذيوع العالمي لسلع ثقافية محددة من الطعام إلى الملابس، والموسيقى، والافلام...إلخ.

1- جون توملينسون، "العولمة والثقافة" ص113.
2- نفس المرجع.

الأحد، 12 يناير 2014

في مفهوم "الحزب": مقال في التعاريف والمناهج.


  سنحاول في مقالنا هذا التطرق لموضوع "الحزب" من خلال قضية التعريف وقضية مناهج دراسته، ونحن لا ندعي الشمولية ولا الاحاطة، غير أننا سنعطي بعض الافكار كمساهمة في النقاش والحوار.
  يعتبر مفهوم "الحزب"  مفهوما معقدا ومتعدد الابعاد، وذلك لارتباطه الشديد بالممارسات والصراعات السياسية التي تتعدد مرجعياتها الفكرية والنظرية، والمختلفة أيضا من ناحية الاصول الاجتماعية، وهذا يعني تعدد المصالح سواء الاقتاصدية أو السياسية التي تكيف مفهوم الحزب واستعمالاته حسب المنظورات الخاصة لكل فئة على حدى.
  عموما، في نظري يمكن تقسيم المناهج التي تتطرق لدراسة "الحزب" إلى منهجين في التحليل، فهناك التحليل النموذجي  (بناء على نماذج الاحزاب) وهناك التحليل الوظيفي (بناء على وظائف الاحزاب).
  فهناك بعض المؤلفين يركزون في تحليلهم على جانب واحد مثل موريس دوفرجيه، الذي يفضل التحليل البنيوي(النموذجي) ويهمش التحليل الوظيفي في كتابه "الاحزاب السياسية"، وهناك من ينطلق من التحليل النموذجي ويستوعب في إطار تحليلاته الجانب الوظيفي. ويعتبر جورج لافو من المفكرين الذين يعتبرون التحليل النموذجي بدون جدوى ولا فائدة، وإنما يجب أن ندرس الظاهرة الحزبية انطلاقا من محددات تاريخية واقتصادية وثقافية، بعبارة أخرى فهو يرفض المنطق الذي يبحث عن التوابث في الظواهر (المنهج البنيوي) لأنها محكومة بالتغير، لذلك فأي محاولة لفرض منطق تابث على واقع متحرك متغير ستصاب بالفشل أو سينتج لنا أوهاما وأخطاء.
  رغم صحة بعض أفكار تيار جورج لافو، فإنهم يهملون بعض إسهامات المدرسة النموذجية –البنوية التي أثبتت فائدتا ومردوديتها التحليلية.
  غير أنه في ظل سياق التنافس ما بين هذين المنهجين، سيظهر تيار اخر سيحاول التوفيق ما بين المنهج النموذجي والمنهج الوظيفي، بدعوى استفادة المناهج من بعضها البعض في إطار رؤية تكاملية جدلية للمناهج، وهو منهج يحاول أن يستفيد من النقط الايجابية لكل مدرسة ويركبها في تركيب منسجم لتظهر لنا رؤية جديدة مغايرة.
  أما فيما يخص التعريف، فنجد نوعين من التعاريف يغلب على أغلب المفكرين في مجال السياسة:
1- التعريف الذاتي: وهو التعريف الذي تكونه القوى الفاعلة الحزبية من ذاتها ولذاتها، وهنا الحزب يعبر عن ذاته مباشرة ، وهذا الامر يتلخص في سؤال من نحن؟
2- التعريف الموضوعي: وهو تعريف يبديه من هو خارج مجموعة القوى الفاعلة الحزبية، فهي رؤية خارجية/ برانية، ويكون صاحب الرؤية في تعريفه إما موافقا للتعريف الذاتي أو مخالفا له.
  وحسب لابلميار وفينر فإن تعريف الحزب  يجب أن يرتكز على أربعة شروط حتى يمكن أن نطلق صفة الحزبية على مجموعة ما:
"- تنظيم دائم، أي تنظيم يعد أمله وافاقه في الحياة السياسية أعلى من أمل وتطلعات قادته وزعمائه في وقت محدد؛
- فروع محلية وطيدة بشكل جيد، ودائمة ظاهريا، وتقيم صلات منتظمة ومتنوعة مع المستوى القومي؛
- إرادة واعية للقادة القوميين والمحليين للتنظيم، لأخد السلطة وممارستها، لوحدهم أو مع الغير، وليس فقط التأثير على السلطة؛
- الاهتمام بالبحث عن الدعم الشعبي من خلال الانتخابات أو بأية طريقة أخرى."
  وإذا أخدنا بعين الاعتبار معايير لابلمبار وقينر فسنستنج أن هناك خط فاصل ما بين الاحزاب وهي التي تتطلع للاستيلاء على السلطة، والتنظيمات التي لا تتطلع لذلك وإن شاركت في الحياة السياسة وصراعاتها، فهذا الفصل والتقسيم ينتج لنا على المستوى التحليلي فئة أخرى متمايزة عن الاحزاب، وهي ما يطلق عليها بـ"مجموعات الضغظ".

الخميس، 9 يناير 2014

شذرات في الوجدان والحياة.


رأيت اليوم في حلم غريب، أن الروح تخرج من الجسم، وأن الروح تطير، والانوار تشع والفرح يرقص، وفي الحلم حدثني الجسد وروحه في صباح باكر في شاطئ جميل، أنا على الرمل وهو على المركب، فسئلته هل الروح موجودة متأكدا مما أرى، فانقطع الحلم وعدت للواقع حيران أسأل هل الروح موجودة، وظللت حزين على انقطاع الحلم.

****

وتفكرت ذاك السواد القادم والمنبعث من لحن موسيقى العبريين القدامى وقد كانو أبناء عمومتي. حين إلتقيتهم من جديد سرت باحثا باكيا عن أطفالي التائهين في مدن الصحراء، وأصبحت أشكو و انوح لذاك الروح صاحب عرش البحر الذي رسمو لي عنوانه لعله يهدي لي سفن المحيط ولعلي أجد أشجار جنة عدن.

****
دوامة الفراغ ... هذا ما نعيشه. وستظل نفس الاسطوانة أبد الدهر، وما محاولاتنا إلا صرخة تمني في شساعة النسيان. وكل الامجاد لا تفيد لا تشبع لا تغني من جوع أمام سؤال المصير.
وأترك نفسي تهوى مع الروايات الكلاسيكية باحثا عن المعنى والبطولة، أتركها في محاولاتها العديدة لتجد جلجامش، ولكن لعنة الحزن على أنكيدو تظل ترافقنا دوما.

****
كنت أريد تغيير العالم، فلم أدري كيف غيرني العالم.

****

أرى أن جل البشرية مهيأة لترى فقط سطوح الأشياء. أما العمق فيعني المعاناة، فمن يستطيع أن يغوص في أعماق ظلمة المحيط، فكذلك ظلمة الوجود لهي أرهب وأشد.

****
حينما ستصل إلى إدراك عمق الأشياء والتي لن تكون إلا بإزالة الأقنعة المغلفة لذاتك، حينها يمكن الحديث عن أنك إنسان. والوصول إلى العمق لن يكون إلا بالتجاوز المستمر لدائرة الظلمة في وعيك الذاتي. حينما تشعر بذاك التحول الذي هو في جوهره سكون بعد جدل طويل ستكون في بدايات النقاء والإشراق، ستكون في نهايات مرحلة طرد ترهات وأوهام البشرية.

****

أنا إنسان بسيط، أحب البساطة في الأشياء، لذلك لا أستطيع تقبل بشاعة هذا الواقع، فاعذروني يا أصدقائي إن تراجعت وتنازلت عن مجموعة من الأشياء، فلا قدرة لي على مواجهة البشاعة.
****

العيش في هدوء الطبيعة ونقاوتها يكشف تفاهة ما نفكر فيه وما نتحدث عنه.

****

حين ستصل إلى ذاك النقاء سينفتح لك الكون بإشراقاته وإشرافاته، وأول الخطوات للانطلاق، فك ارتباط ذاتك بذوات البشر.

****

حينما أعود إلى الوراء وأتأمل بشكل متأني في بعض الأصدقاء ومن يدورون في مدار حياتي، أتعجب في اندفاعاتهم وانطلاقاتهم المملوءة حرارة يريدون تغيير الكل في لحظة واحدة، أتأمل وأفكر طويلا ما الدافع إلى هاته العدوانية مع أقرب الأشخاص إليه؟ وكأنه يظن بذاك سيغر شيئا في الواقع، وأكتشف بأن الوهم يختبئ بشكل متقن، يدفع بنا إلى أقصى حد، يحيط بنا من كل جانب حتى لا نجد مهربا منه.

****
التضحية خرافة فلا أحد يستحق حياتي من البشر، لأن الحياة قيمة في حد ذاتها.

****
يا لروعة الحياة بمأساتها وفجائيتها، الحياة في حد داتها أسطورة واقعية.


Haut du formulaire
Bas du formulaire

الثلاثاء، 7 يناير 2014

شذرات في السياسة وما يجاورها. (الجزء الاول)


1- البعض لا يفرق ما بين العملية التحريضية الحماسية التي تتطلب عمليات واليات معينة تختلف عن الممارسة الفكرية النظرية التي تتطلب لغة وممارسة معينة مختلفة عن الاولى. وفي هذا السياق إذا كان البعض يريد مخاطبة الجماهير الفقيرة فالمكان ليس هو العالم الافتراضي، فهؤلاء الاشخاص اولا اميين وثانيا ليست لهم القدرة المالية لمتابعة ما يجري في العالم الافتراضي، وبالتالي فإن اتبعنا منهجية العالم الافتراضي فإننا سنسقط في نفس فخ 20 فبراير والتجارب الاخرى، سيظل نضالا نخبويا، أنا لا أقول بأنه لن يفيد شيئا غير أنه سيظل محدودا بمحدودية قاعدته البشرية وأفقها الاجتماعي، بعبارة أخرى فإن العمل الجماهيري يتطلب استراتيجية المراكمة على المدى البعيد من خلال مجموعة من الاليات، لا يجب أن نرى بأن التغيير الشامل يتحقق غذا أو في السنة القادمة بل يمكن أن يدوم لعشرات السنين.

2- من بعض الاشكالات التي يعاني منها مجموعة من مناضلي الجامعة عند خروجهم منها، هو عدم القدرة على مواجهة واقع الشارع بدينامياته ومعطياته وصراعاته التي تختلف بشكل كبير عن واقع الجامعة، فهذه الاخيرة نجد فيها نوع من البساطة والسهولة في التواصل والهامش المتاح للنضال كما يكون وجود الفرد مرتبط كليا بجماعة نحس بدفئها وحمايتها، وحينما يخرج فرد تلك الجماعة المرتبطة بالجامعة إلى الشارع ينفصل عن ذلك الدفئ والحماية والاحساس ببساطة الاشياء فيحس بالضيق والعجز فلا يقدر إلا على العودة من جديد إلى الجامعة، وكأن الجامعة أصبحت الافق والسقف النضالي الوحيد. فمن الخطوات الاولى التي يجب القيام بها من أجل تطوير الذات وإيجاد إجابات ومخارج، أولا القطع مع ذهنية الجامعة والتبعية لها، ثانيا يجب أن لا نطع العربة أمام الحصان اي حينما نعجز عن التواصل مع الواقع وإيجاد حلول عملية فيما يخص الممارسة لا يجب أن نرجع الخطأ في الواقع بل يجب أن ننتقد منهجيتنا وأفكارنا واليات تفسيرنا وتحليلنا للواقع أي يجب أن نعيد النظر في حمولاتنا الايديولوجية، فليس الواقع هو من يتبع الفكر بل الفكر هو التابع فهو جزء من الواقع، هذا لا يعني أن الفكر لا يأثر بل يأثر في حدود ما يتيحه الواقع نفسه.

3- عقلية التسلط والديكتاتويرية حالة ذهنية سائدة وثقافة مغروسة في تنظيماتنا من أحزاب ونقابات وفصائل.

4- لا تردو على العنف بالعنف، فالانتقام لن يولد إلا الانتقام ولن تغلق تلك الدائرة أبدا. هذا ما يريده ما نظنهم أعدائنا يريدون أن تظل هاته الدائرة مغلقة في دوامة من العنف والعنف المضاد، ففي هذا هم ينتعشون. لتكن إنسيا ذو أفق يتجاوز عنف الجاهل المتجبر قبل أن تكون بشريا ينطق بلغة الجسم في محاولة لتكذيب إجابة الواقع بإجابة تعتمد السيف والسلاح أداة للإجابة. أرجوكم ارتقو إلى الافضل واتركو تلك القشور الفكرية والايديولوجية التي عفا عنها الزمان. انساني وفقط لا رفيق ولا أخ.

5- يا أصدقائي الاعزاء خصوصا ، أقول لكم اتركوا تلك المصطلحات الواهية مثل مصطلح "المرتد" إنه من بقايا الفكر التكفيري الذي انتقل من الاصولية الدينية إلى الاصولية السياسية، إنها لا تزيد الوضع إلا سوءا. افتحوا سماء ذهنكم أمام الاختلاف فليكن فكركم ممتلأ ببصيرة السلام، لا تبعثوا شرر النفس وشرر الوجود الاجتماعي في وجودكم الذاتي ومع الاخر فتسود الرؤية ويسود معها العالم فتظنوا أن الحق معكم فقط، من أراد أن يتراجع فله ذلك من أراد أن يخون فله ذلك. ففي الاخر لسنا اوصياء على احد.

6- حينما نتحدث عن الشعب وعن الوطن القومي ... فإننا نتحدث عن مفاهيم تاريخية، تكونت وبرزت مع بدايات انتشار الرأسمالية الصناعية وسيطرة البرجوازية والفكر الليبيرالي. وبالتالي فإن هذه الافكار هي أفكار تتحدد انطلاقا من السيرورة (التبدل والتغير) بمعنى الشرط التاريخي حاضر دوما. وهذا ما لا يستحضره مجموعة من اليساريين والماركسيين في حديثهم بشكل طوباوي عن الشعب والوطن ... رغم أن الماركسية تستحضر الارتباط ما بين المفهوم وأساسه المادي، إذا هل من الممكن تجاوز المرحلة الليبرالية كأساس أيديولجي والرأسمالية كأساس مادي لهذه المفاهيم. 
فالإشكال المقصود هو هل حديثنا في هذه الظرفية عن الشعب والوطن بنفس الطريقة لسنين عديدة له أساس نظري/مادي، أم أننا مازلنا في منطومة الرعية مقابل الشعب والقبيلة مقابل الوطن. وهنا تطرح مسألة السلطة الثقافية (الصراع الأيديولجي).

7- العقل العربي عقل ثنائي تلفيقي بامتياز، يريد شيئا من الماضي وشيئا من الحاضر، شيئا من التراث وشيئا من الغرب، نحافظ على التقاليد ونساير الموضى، هو ضد بشار وفي نفس الوقت ضد التدخل الأجنبي. أليس هذا جزء من مشكل تخلفنا ومن ركائزه.
8- عن أي مقاومة وممانعة تتحدثون، ممانعة الحمقى والمجانين، والبعض يتحدث عن روسيا كأنها الاتحاد السوفياتي وعن إيران الخمينية كأنها دولة الأنوار ويهلل لكوريا الاشمالية لمجرد فتح فمها بالهراء الفارغ. ماذا نسمي نوعية هؤلاء البشر.

9- إن الثورة ليست جنة مفروشة من الورود، إنها سيرورة مليئة بالدم والارتدادات وأي ثورة لها ثورة مضادة. والحكم على النتائج لا يجب أن نربطه باللحظة، فالتاريخ لا يأبه باللحظات بل بالافاق البعيدة والمدى الطويل أي بالسيرورة. إن البنية في طور النشأة والتكون فلا تفزعوا ولا تقلقو بل انتظروا مزيدا من الدم والالام. الثورة مستمرة والثورة المضادة كذلك لأن التاريخ الاجتماعي مستمر.

10- الازمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة، ليس دائما هي المحرك نحو التمرد والثورة، بل الوعي بالازمة؛ والوعي بالازمة يتطلب عملا من طرف الفئة التي وصلها الوعي على إيصال ذاك الوعي نحو البقية وذلك العمل قلنا وما زلت أقوله يتطلب استراتيجية واضحة وتراكما وصبرا ومدى طويل.

السبت، 4 يناير 2014

التضليل السياسي


  يعتبر التضليل السياسي وسيلة من الوسائل الناجعة في السيطرة على الجماهير من طرف الفئة المسيطرة والطامحة إلى السيطرة، فهو سلاح فتاك يقتل العقول و النفوس ويتحكم بالاجساد. و لذلك تكتسب الاحاطة الفكرية والعلمية بطرق التضليل السياسي دورا مهما في تعريته وفضح عملية التحكم التي تتعرض لها الجماهير، وايضا في تطويراليات الدفاع والمناعة ضد هذا التضليل أي كاليات دفاعية يجب أن تمتلكها الذات الفردية للحفاظ على ذاتيتها.
  فالتضليل السياسي هو مجموعة من التقنيات و الاليات من خلالها يتم استهداف المكونات العقلية و المكونات النفسية للذات الفردية لجعلها تابعة وخاضعة، فهو ممارسة او مجموعة من الممارسات قديمة لقدم الممارسة السياسية نفسها. فالتضليل يرتبط ارتباطا و ثيقا بالسياسة، فمنذ وجدت السياسة وجد تضليل وخداع، وذلك اعتبارا للواقع العملي وليس التعريفي للسياسة باعتبارها دفاعا عن مصالح معينة، وهذا التضليل يتغلغل في كل العناصر المكونة للسياسة. وهذا يستدعي القول بأن العلاقة بين  الاخلاق و السياسة لم تكن علاقة مثالية في معظم وجل الانشطة السياسية القديمة و الحديثة، فغالبا ما انتهكت الاخلاق ومصالح العموم لحساب المصالح الضيقة، وغالبا ما كانت الطرق المتنوعة التي أنتجها مفكرون وفلاسفة للتلاعب بالاخر أداة أساسية في يد السياسيين لانتهاك الانسان لبعضه البعض.
  ويتميز التضليل السياسي بتعدد طرقه ومنها الديماجوجية السياسية التي تصبح تضليلية بشكل فعال عندما يتحول رجل السياسة الى مداهن للشعب وتتحول ممارسته الى مدالسة للشعب. وأيضا التكيفية السياسية والتغيرية السريعة والمتكررة المستندة الى سمات مثل غباء الجماهير ولاعقلانيتها، بالاضافة الى مجموعة من الطرق الاخرى كالخلط والالتباس المتعمد والغش واثارة الغموض، والتضليل بواسطة المناورات السياسية كالتظاهر بالانسحاب، والاشتباك السياسي المصطنع، وتمثيل الهجوم… وتقنيات الكذب والرياء السياسي.
ربما لايكون من المبالغ فيه القول ان الاحاطة بالاليات و طرق التضليل السياسي من خلال منهجية التحليل النقدي للخطاب و المقاربة المعرفية، تعد ضرورة لكل من يرغب في التعرف على ألاعيب "حقل المكيدة" ولكل من يحملون على عاتقهم مهمة تحرير البشر من "ألاعيب حقل الشيطان" أي رجل السياسة الذي يطمح لاستغلال الاخر، وايضا تعرية ممارسة التضليل وتنمية وعي الجماهير بمخاطره وكيفية مواجهته ومن تم تعديل استجابته للغة السياسية على ضوء هذا الوعي -أي وعيا نظريا بطرق التضليل- وذلك يتطلب الاستمرار في نقد الخطابات السياسية لاكتشاف أسسها الخفية وتفكيك سلطة الهيمنة و التحكم التي تنتجها الخطابات والممارسات السياسية، خاصة حين يرتبط التضليل بالقهر والظلم كما هو الحال في عصور الاحتلال الخارجي او الديكتاتورية الداخلية.
   فالغاية من هذا هو ان تكتسب الجماهير المستهدفة بلغة التضليل والتي تتعرض للخداع و السيطرة، وعيا نظريا يسمح لها بتحليل الخطابات السياسية وتحديد موقعها من داخل البنية الاجتماعية. والفئة المثقفة والمعنية بخطاب التفكيك والفضح (التي في الغالب هي نفسها تلعب نفس لعبة التضليل والخداع) يجب أن تكون غايتها تحرير الجماهير أو جزء منها من تأثير هذه الخطابات، لا امداد رجال السياسة الطامعين لإعادة أنتاج نفس سيناريو الهيمنة والتحكم بمزيد من تقنيات التضليل.