الاثنين، 31 مارس 2014

بعض مشكلات الشأن الثقافي المغربي




1- الفوضى الثقافية:

  إن غياب الاتفاق وإن بشكل نسبي على مفهوم الثقافة وعلى رؤية واضحة لها، خصوصا عند من له ارتباط مباشر بحقل الثقافة ومن يمسكون بزمامها، من أوضح المؤشرات على وجود فوضى ثقافية منتشرة ومتغلغلة في خطابات وكتابات هؤلاء. وبدلا من مواجهة فوضى التعريف، نجد أن الأغلبية تناقش الإشكالات الثقافية الهامشية، إذا هناك خلط وبلبلة معتملة في أذهان المشتغلين بقضايا الثقافة.

  والفوضى هنا تأتي بمعنى الاضطراب والافتراق في الأراء، أي عدم الاتفاق على رأي حول مفاهيم رئيسية للثقافة بل حول مفهوم "الثقافة" نفسه.

  وحين نحيط النظر فيما هو منتشر من كتابات في الثقافة،  نجد أن الرؤية المهيمنة تندرج تحت المعنى الأكاديمي للثقافة، فيتم ربط الثقافة بالمتعلم، وفي جانب آخر يلتبس مع مفهوم الشاعر والروائي، فيشيع عند العامة من الناس أن المثقف يساوي الروائي أو الشاعر، خصوصا وأن الإقبال على نشر كتب الرواية والشعر تفوق بكثير نشر الكتابات والأبحاث العلمية والفلسفية. غير أن الثقافة لا تنحصر في المعنى الأكاديمي وفقط، بل هناك المعنى الحضاري والمعنى الميتافيزيقي والمعنى السيكولوجي والمعنى الاجتماعي.

  ومن العوامل المساهمة في الفوضى الثقافية انتشار ما يمكن أن نسميه بالعنعنة الكلامية والفكرية، والعنعنة هنا بمعنى الأخذ عن الأخر بشكل مستمر والبقاء محصورا في الإطار الذي يحدده لك الأخر، إنها نوع من العبودية الفكرية إنها مرض ثقافي. والعنعنة ليست مثل الحفظ، فيمكن للحفظ أن يحصل أكان لفظيا أو معنويا بدون أن يصبح الحافظ عبدا لما حفظه. فأي شخص يريد أن يقدم عملا ثقافيا ما فلا بد أن ينطلق من تراكم وليس من فراغ، والتراكم يحصل بالممارسة وحفظ الأشياء، غير أن المبدع هو الذي لا يظل محصورا في ما حفظه بل يشكل مما لديه تركيبا جديدا مخالف لما هو  سابق، بمعنى آخر يمكن أن تجعل مما حفظته وراكمته أساسا تبني عليه شخصيتك الثقافية الخاصة والمتحررة في نفس الوقت، وحصول التحرر مما حفظته يجعلك تستطيع التفاعل معه بشكل إيجابي و خلاق.

 وهناك خلط آخر في حقل الثقافة ساهم في تزايد الفوضى الثقافية، والأمر يتعلق بارتباط الشهرة مع مفهوم الثقافة، فنجد عند العديد من الأشخاص أن من يذيع صيته ويشتهر كثيرا يكون أكثر ثقافة. وهذا يشكل تهديدا خطيرا للثقافة في معانيها التي حددناها. وحتى لو أخدنا فقط بالمعنى الأكاديمي، فإننا نجد أن هناك بعض التخصصات والمجالات الثقافية لا تتيح إمكانية الشهرة والانتشار لأصحابها. فنحن نجد مثل السينما أو مهرجانات الموسيقى ... تستقطب جماهير غفيرة من جل المستويات والأعمار، سواء أكانوا ملمين بتفاصيلها ودقائقها أو كانوا جاهلين لها. ولكننا لا نجد نفس الشيء بالنسبة لمن يشتغل في الفلسفة أو الفيزياء والكيمياء ... فنجد تأثيرهم على مستوى الجماهيري محصورا في تلاميذهم ومن له دراية بتلك التخصصات. لهذا فلا يجب على المؤسسات الرسمية أن تأخذ بمعيار الكم والعدد في تحديد الأهمية، لأن الأهمية في الثقافة لا تتحدد بالكم بل بالنوع ودرجة التأثير أيضا، فحين ننظر إلى أهمية ونوعية الدراسات الفيزيائية والكيميائية... فسنرى دور والتأثير الذي يقوم به العلم في المجتمع.


2- التزييف الثقافي:

  من المشكلات الثقافية السائدة والشائعة عندنا ما يمكن أن نسميه بالتزييف الثقافي، ونعني به إظهار سطح وقشور الشيء دون التعمق في لبه ومضمونه. فنلاحظ أن البعض ممن يتطرق لمعالجة إشكالية ما أو قضية معينة يظلوا يدورون في جزئيات بسيطة بدون إعطاء الخطوط العريضة، إما لعجز منهجي أو لقصد وغاية مخفية. وهاته المشكلة تتجلى في مستويات عديدة خصوصا في المستوى المنهجي والمستوى اللغوي.

  فنجد لدى البعض لخبطة منهجية أو غياب المنهجية بشكل كلي، سواء في الشكل أو في التحليل والتركيب. وهذا يكون عائد في بعض الأوجه إلى رغبة في الكتابة من أجل الكتابة، بدون ضبط الشروط والكيفيات، أو عائد في أوجه أخرى إلى تشجيع بعض الجرائد والمجلات سواء الواقعية أو الافتراضية للنشر بدون تمحيص وبدون وجود لجان مراقباتية.

  وعلى مستوى اللغوي نجد مشاكل عديدة سواء في أسلوب وطريقة التعبير أو إستخدام الألفاظ لغير ما جعلت لها. إذ نجد البعض يتعمد الغموض في اللغة، أي الكتابة بلغة معقدة، ليظهر نفسه بأنه شديد في مجاله أو أنه عارف ملم بخبايا حقله المعرفي، غير أن هذا راجع إلى خلفيات سيكولوجية تتعلق بتضخم "الأنا". عموما فالفكر لكي يكون واضحا  يجب أن يكتب بلغة واضحة لكي يفهم المقصد والغاية ويستوعب المضمون ويناقش، أما إذا كتبنا من أجل أن تظل الأمور غامضة ثم ندعي بأنها موجهة لنخبة النخبة فإن هذا إما حمق أو غباء.

 ونجد التزييف الثقافي حتى على المستوى العملي الممارساتي، وهذ التزييف له ارتباط بالجهل بكيفة عمل الشيء أو كيفية الممارسة بالشكل الصحيح مع بقاء الادعاء الشكلي بالمعرفة، فهكذا تجد مدرسا قد اكتسب صفة المدرس شكليا ولكن مع التلاميذ لم تتحق هاته الصفة فلم يقتنعوا به وأصبحوا لا يطيقونه، وهذا محامي قد اكتسب صفة المحامي شكليا ولكنه عاجز عن إقناع القاضي أو الفوز بقضية ما، وهذا قاضي اكتسب صفة القاضي شكليا ولكنه تابع لمن يمده بالمال سرا ...

  ومن مظاهر التزييف الثقافي، السباحة مع تيار السلطة والمصلحة والبنى فكرية السلطوية ومسايرتها، عوض الرفع من قدرة تطوير القيم الاجتماعية وتحديثها بحيث تصبح مسايرة لجوهر العصر وروحه، وبناء القدرة أيضا على تجاوزه حينما يصبح بدون جدوى، هاته القيم  ترتبط بمجريات موضوعية وليس بمعطيات السلطة والمصلحة التي تعمل على تزييف الثقافة.

  3- غياب التخطيط الثقافي:

  يعد التخطيط في عالمنا المعاصر ضرورة حيوية وحتمية، ودليل على حداثة المجتمع. غير أننا في مجتمعنا نجده يتميز بميزة العشوائية في كل مناحي الحياة، فهناك عشوائية في الاقتصاد وفي السياسة وهناك عشوائية في التجارة والأسرة ... إلخ، ولا يخرج حقل الثقافة عن هذا المنحى أو الإطار الذي يميز مجتمعنا. فتجد أن الارتباط الحاصل ما بين المؤسسات الرسمية المعنية بالثقافة لا ينبني على رؤية واضحة واستراتيجية. فالاهتمام بالشأن الثقافي هو إهتمام موسمي يحكمه مبدأ الفرجة والاحتفال، وليست رؤية واضحة مبنية على مبادئ وقواعد منظمة ذات أهداف قريبة وأفاق مستقبلية من خلالها يتم المراكمة لتغيرات نوعية وكمية فيما يخص الإنتاجات الثقافية وأيضا فيما يخص التلقي الثقافي. وهذه العشوائية عائدة من جهة إلى أسباب موضوعية مرتبطة بالبنية الاقتصادية للبلد وتوجهات الأطراف المهيمنة على قواعد اللعبة، وأيضا بالثقافة التقليدية السائدة. ومرتبطة من جهة أخرى بأسباب ذاتية لها علاقة بغياب الإرادة لا سواء السياسية ولا الثقافية، ففي غياب الإرادة السياسية المتجلية في نوعية السلطة الحاكمة، لن يكون هناك مجال شاسع من الحرية الثقافية الذي يسمح بالتحرك بدون قيود كثيرة.

إسماعيل أعشير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق