الاثنين، 19 مايو 2014

في نقد تصور عبد الله العروي لأشكال الوعي الأيديولوجي العربي، من خلال كتاب "الأيديولوجيا العبرية المعاصر ة".


  
- يعتبر عبد الله العروي من أبرز المفكرين المغاربة والعرب، وقد ساهم في مجموعة من المجالات الفكرية سواء في التاريخ أو نقد التراث أو في الدراسات الاجتماعية ... ويعتبر كتاب "الأيديولوجيا العربية المعاصرة" من أبرز أعماله الفكرية التي خلقت نقاشا في الساحة الفكرية العربية، والذي تعرض لمجموعة من الانتقادات من طرف مجموعة من المفكرين كمحمد عابد الجابري وجورج لابيكا وغيرهم عديدون ..
  -  وفي هذا المقال سنتطرق لمجموعة من أفكار هذا الكتاب، محاولين إبراز أوجه أخرى، وطرح تساؤلات من أجل خلق نقاش مع أفكار الكاتب. وهذه المساهمة المقالية لا ندعي فيها التطرق إلى كل الأفكار، بل فقط بعض الأفكار أردناها مقدمة للنقاش مع القراء في أفكار أخرى للكتاب. وتجدر الإشارة إلى أن عبد الله العروي لا يعترف بالترجمة الأولى لهذا الكتاب وينتقدها بشدة، لذلك أعاد هو بنفسه ترجمة الكتاب الذي كتب في الأصل باللغة الفرنسية إلى اللغة العربية (الأيديولوجيا العربية المعاصرة، عبد الله العروي، المركز الثقافي العربي، 272 صفحة).

  -  إن عبد الله العروي يتطرق في كتابه هذا لمجموعة من الإشكالات التي تعاني منها المجتمعات العربية، لا سواء في تحديد ذاتها أو في رؤيتها للأخر أي الغرب. بعبارة أخرى فالكتاب هو نص تحليلي للسؤال القديم-الجديد لماذا تقدم الغرب وتأخر العرب، ويطالب بممارسة النقد الذاتي لا سواء للماضي وللحاضر ونقد الغرب كذلك، أي النقد المزدوج للخروج من مأزق التخلف.

   - وترتكز المساهمة النظرية لعبد الله العروي على تقسيم الأيديولوجيا العربية المعاصر إلى ثلاث نماذج هي التي تنحصر فيها هاته الأيديولوجيا، وهي وعي الشيخ ووعي السياسي ووعي داعية التقنية. وهي أشكال من الوعي تولدت بشكل تعاقبي وليس تساكني، ففي البداية نشأ وعي الشيخ مع دخول الاستعمار ثم وعي السياسي مع الحصول على الاستقلال ثم وعي داعية التقنية  مع الدولة القومية. وفي هذا السياق يقول " ما يجب الانتباه إليه والنظر فيه هو أن المجتمع منذ عهد النهضة يواجه غربا تجاوز كل أشكال الوعي هذه" (ص 53)، فهو يقصد أن الغرب تجاوز وعي الشيخ ووعي السياسي ووعي داعية التقنية، غير أن الأمر في الواقع ليس بهذه الصورة، إذ يمكن أن نقول بأن وعي معين ومحدد هو الذي يسود في دول الغرب ولكن أن يكون تجاوز أشكال الوعي الأخرى فهذا ما لا يشهد به واقع تلك المجتمعات، بدليل وجود فئات عديدة لا تعرف تجانسا بينها بقدر ما هناك اختلاف شديد، فنرى الوعي المسيحي في الولايات المتحدة الأمريكية يزداد نشاطا، ونرى الجالية الإسلامية في أوربا تتزايد، ونرى خطاب اليمين اتجاه المهاجرين يشتد، ونلاحظ الأزمات السياسية لم تنعدم بل نرى نقدا متزايدا للديمقراطية التمثيلية، وفيما يخص التقنية فهناك نقاشات دولية حول تأثيراتها في مسار البشرية. إذا الغرب لم يتجاوز بشكل نهائي الوعي الديني والوعي السياسي والوعي التقني، بل نرى جدلا فيما بينهما.

 - فالأستاذ عبد الله العروي في تطرقه لأشكال الوعي في البلاد العربية، قسمها إلى شكل خانات جامدة، فهناك خانة الشيخ وخانة السياسي وخانة داعية التقني، وكأن كل خانة تعرف عناصرها المشكلة لها تجانسا مطلقا. ولكن حينما نريد أن نطبق هذا التجريد ونفهم أصله الذي انطلق منه نحصل على العكس، فعوض الشيخ نجد الشيوخ أو تيارات عديدة حتى في فترة الاستعمار، فتمثل أو وعي محمد عبده ليس هو وعي الأزهر أو الزيتونة أو القرويين. وحين تطرق إلى السياسي حصره في داعية الليبرالية الذي حسب فهم العروي سيسطع نوره في دولة ما بعد الاستقلال ولكنه تغاضى عن مجموعة من التمثلات السياسية الأخرى التي تولدت وإن بشكل جنيني مع نشوء البرجوازية العربية ومنها الوعي الاشتراكي والوعي القومي.

  - لقد حاول عبد الله العروي أن يبرر منهجية التقسيم إلى الشيخ والسياسي والتقني  بـ"كون الذهنية الواحدة لا تتجسد في الرجل نفسه في كل البلاد العربية (قد ينشر في هذا البلد أو ذاك، ذهنية الشيخ غير الشيوخ وذهنية الليبرالية غير رجال السياسة. فلزم فصل الذهنية عن شخص حاملها)" (ص 48)، غير أنه يعود في فقرة أخرى ليخرق هذا الضابط المنهجي من خلال الاستدلال على أشكال الوعي هاته برموز ثقافية عربية أو بالأحرى مصرية وهي محمد عبده (الشيخ)، سلامة موسى (داعية التقنية)، لطفي السيد (السياسي الليبرالي)، إذ يقول في هذا السياق "استوحينا النمذجة المذكورة من أعمال محمد عبده ولطفي السيد وسلامة موسى لأننا اعتبرنا أن هؤلاء المؤلفين يجسدونها أوضح وأظهر ما يكون التجسيد." ( ص49).

 - إن هذا الاختلال في محاولة السير على نفس المنحى المنهجي، يمكن أن نعيده إلى إنبناء التفسير والتأصيل على أساس النقاش الأيديولوجي الذي لا ينكر عبد الله العروي ممارسته. ففي النقاش الأيديولوجي ليس بمشكل أن نتغاضى عن التناقضات المنهجية والاستدلالية من أجل الدفاع عن مضمون الفكرة أي عن ما نعتبره هو الحقيقة.
-  إن عبد الله العروي في نقاشه لنشوء أشكال الوعي، والتي يعتبرها ذات تولد تعاقبي وليس تساكني، ينطلق وإن بشكل غير مباشر أي وإن لم يقلها في جملة صريحة، من تجارب دول معينة خصوصا مصر ليعممها على كل البلدان العربية، فمثلا يعتبر أن في فترة الاستعمار أول وعي مواجه تولد فيه هو وعي الشيخ، ولكن حين نأتي إلى تجربة المغرب نجد الوعي بالمجال وبالأرض والنزعة الاستقلالية التي تجلت في المقاومة المسلحة لعبد الكريم الخطابي تسبق دخول الحركة السلفية الإصلاحية للحركة الوطنية ومساهمتها في المطالبة بالاستقلال انطلاقا من وعي ديني وهو ما يجسده عبد الله العروي في علال الفاسي (الشيخ الذي حاول تقليد الشيخ محمد عبده)، ولكن إذا طبقنا التفسير التعاقبي لعبد الله العروي في دولة المغرب نجد حركة المقاومة المسلحة التي تتجلى في وعي عبد الكريم الخطابي سبقت وعي الشيخ لدى علال الفاسي. بالإضافة إلى أن معالجة عبد الله العروي لوعي الشيخ كوعي يتلخص في فكرة المواجهة ما بين الإسلام والنصرانية لم يرتبط بدخول الاستعمار، فهو يقول في هذا السياق "يبدو واضحا أن وعي الشيخ مرتبط بالمجتمع الخاضع للاستعمار المباشر" (ص51)، أين الوضوح في هذه الفكرة من غير الوضوح اللغوي فليس هناك وضوح أخر، بقدر ما أنه من المعلوم أن وعي الشيخ بالفهم الذي أعطاه عبد الله العروي باعتباره وعيا يرتكز على فكرة المواجهة ما بين دار الإسلام ودار النصرانية هو ينتمي إلى فترات تاريخية سابقة على الاستعمار، فما محل الحروب الصليبية وحروب الاسترداد هنا ؟ كيف كان وعي المجتمعات الإسلامية في تلك الفترة وهي تواجه الهجوم المسيحي ؟؟

  - إذا الفكرة غير واضحة بتاتا، وحتى لو افترضنا جدلا أن وعي الشيخ ارتبط بالاستعمار المباشر، فليس هناك وعي وحيد منفرد متجانس، بل الوجود هو لفئة الشيوخ تتميز بوعي متعدد ومتناقض، فهناك من الشيوخ من برر نظرا لارتباطه بالسلطة الحاكمة، وهناك من اختار الحياد والصمت، وهناك من قاوم وتمرد سواء بالقلم أو بالسلاح. إذا الأمور ليست بالجمودية التي يعطيها عبد الله العروي، فهو يدعي بأنه يطبق المنهج الاجتماعي-التاريخي، غير أننا نراه يسقط أحيانا في المنهج البنيوي والمنهج الوضعي الذي ينتقده بشدة هو نفسه. وهذا عائد كما قلنا إلى هيمنة النزعة الأيديولوجية عند عبد الله التي لا تعطي أهمية كبيرة للشكل والتناسق بقدر ما يهمها الغاية والهدف. ويبرر في سياق أخر من الكتاب هذا التقسيم إلى ضرورة الفصل ما بين التحقيب السياسي والتحقيب الثقافي "التحقيب المقترح ثقافي، فلا يطابق بالضرورة مرحلة التطور السياسي" (ص50)، ونجده في المقدمة المنهجية يقول "... ألصق بكل مفهوم معنى طبقيا وأعني به أثر البنية الاجتماعية التي نشأ فيها ..." (ص28)، نلاحظ في الفقرتين تشويش في النسق الفكري لعبد الله العروي وهذا يعود في أساسه إلى أن التحقيب المقترح هو في مضمونه تحقيب أيديولوجي يطابق فهما سياسيا لدى الكاتب وليس تحقيبا ثقافيا.

  - وتجدر الإشارة إلى أن الـتأصيل الذي أعطاه لوعي الشيخ باعتباره وعيا ينحصر في المواجهة ما بين الإسلام والنصرانية يتطلب إعادة النظر، خصوصا حينما نمعن النظر في الساحة الثقافية أو بعبارة أخرى في ساحة الثقافة الدينية، نجد نقاشات أخرى ووعي جديد يتجلى أساسا في الاصطدام ما بين رؤى إسلامية ورؤى علمانية.
  - وفي سياق مناقشة عبد الله العروي لأشكال الوعي، ينساق إلى إطلاق تعميمات تخرج عن خانة الوعي الذي يناقشه، فمثلا في مناقشته للقاء محمد عبده (الشيخ) بهربرت سبنسر يقول " إذ يتعين القول أن المجابهة بين الشرق والغرب تجري أول ما تجري على مستوى الوعي الديني لسبب قاهر وهو أن الشرق لا يدرك نفسه إدراكا تاما مقنعا إلا كإيمان وعقيدة" (ص56)، فنلاحظ في هذا القول تعميما مفاده تسييد لفكرة الروح للشرق والعقل للغرب، وبالتالي يسقط هو نفسه في بعض المقولات الإستشراقية التي ينتقدها في الكتاب.

-  ففي الأخير، نحن لم نرد أن نخطئ فكرة ما أو نعتبرها صائبة، بقدر ما أردنا الإشارة إلى ما خفي من القول سواء أكان الكاتب مدركا له أو غير مدرك، فاللغة تكون حجابا وقناعا أحيانا، فالنقد دوما يتطلب الحفر في عمق الأشياء واقتلاع الطبقات التي تشكل أقنعة تخبئ النواة.

الأحد، 4 مايو 2014

دور المدرسة الألمانية في تطور الفكر الجغرافي. (الجزء الثاني).

3- حركة التجديد:

  ظلت الجغرافيا الألمانية، إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، ورغم ما شهدته من نقاش، تعيش حالة اضطراب بسبب الغموض الذي بقي يكتنف موضوعها. ويذكر جيتسبك أن مفهوم "اللاندسكيب" الذي أخصب الجغرافيا الألمانية وبعثها من مرقدها، مفهوم ولد في أحضان المدرسة الابتدائية أي ما يسمى بالجغرافيا السردية أو الموسوعية. وفي بداية القرن العشرين تخلصت الجغرافيا الألمانية من تأثيرات راتزل وقامت بتطوير موضوع البيئة وإفراغه في قالب الدراسة الإقليمية وفق ما كان يراه هتنر ورختوفن ومن سبقهما من كبار حغرافيي القرن التاسع عشر، وإن كانت هذه الجغرافيا الإقليمية ستركز بالأساس على موضوع استأثر بكل الاهتمامات: ألا وهو موضوع "المشهد".

3-1 اللاندشيفت:

يعتبر مفهموم اللاندشيفت جوهر المدرسة الألمانية، (ومعناه في المدرسة الجغرافية العربية الحديثة "المشهد") إذ كان هناك اعتقاد سائد بأن مفهوم "اللاندشيفت" ثمرة منحتها المدرسة إلى الجامعة، فهناك أيضا من يرى غير ذلك كشلت (1980)، الذي يرجع هذا المفهوم إلى كتاب "الجغرافيا العسكرية" الذي ألفه هوميا في بداية القرن التاسع عشر، سنة 1850. ويعتبر أوطوشلوتر "أول من جعل من الجغرافيا علم المشاهد"، والذي لم يكن يرمي إلى أبعد من وصف اختلافات السطح نتيجة تفاعل العوامل الطبيعية، وإن كان لا يمانع في بحث الجوانب المستورة من تلك الظواهر. وهذا ما أقدم عليه بالفعل غيره. ولكي تتأسس المدرسة الألمانية كان لابد من تجاوز هذه المواقف المختلفة ولم شتاتها. وهذا ما حدث ابتداء من سنة 1910.

3-2- دلالات مفهوم "المشهد":

  في كتابه "طبيعة الجغرافيا" تعرض هرتشون لمفهوم "اللاندسكيب" عند الألمان، فبين ما فيه من غموض وشبهة، ثم جاء هارد ليؤكد نفس الملاحظة. وكلاهما يريان لنفس اللفظة دلالة مزدوجة تعني "المشهد" بمعنى "الإقليم" ككيان يندرج في تصنيف مكاني معين، وأيضا " الوحدة المجالية". وهكذا كان محرك الجغرافيا الألمانية في بداية القرن العشرين تياران:

- الأول يحلل التفاعلات ويطمح إلى تقديم تفسير علمي للمكان، وهو اتجاه يتصل بريتر عبر كوكبة من الجغرافيين منهم كرشوف و وول وجتسبك.

-  أما الثاني، أي التيار "الجمالي" أو "الانطباعي"، فهو اتجاه لاحق يولي الاهتمام أولا وقبل كل شيء إلى الواقع المحسوس وما ينطوي عليه من تنوع كما عبر عن ذلك لفيف من الباحثين (راتزل، هوميا، شون، فيمر...).

  هذا التقابل بين جغرافيا تعميمية و معيارية تهتم بانتظام الظواهر وتصنيفها بغية اتخراج قوانينها ، وجغرافيا إقليمية تعطي الأسبقية للتحليل الأحادي ودراسة الوحدة المنفردة، مازال يغذي الجدل حتى يومنا هذا، داخل المدرسة الألمانية وخارجها.

  غير أن البحث الجغرافي الذي جعل من المشهد موضوعا له قلما بلغ أهدافه وحقق طموحاته بسبب فرطه في التدقيق والتحري في الجزيئات، إذ غالبا ما يركز الباحث اهتمامه على رقعة محدودة المساحة متجانسة المظهر، الأمر الذي يحد من الرؤية ويضيق أفاق التأمل الواسع والتفكر العميق.

4- المدرسة في الميزان:

  إذا كانت المدرستان الألمانية والفرنسية تسعيان كلتاهما إلى نفس الهدف، أي إلى وضع تقسيم دقيق المعالم للعالم أو المجال، فإن الأولى تعتمد في ذلك على مفهوم المشهد، ينما تركز الثانية على دراسة العلاقات بين الإنسان والبيئة. وهذان الموضوعان البارزان اللذان شغلا البحث الجغرافي خلال القرن التاسع عشر. ومع ذلك لا يجوز حصر المدرسة الألمانية في القالب الإقليمي الضيق وتفسيرها فقط بالمبادئ التي أرساها ألفرد هتنر. فمدرسة المشهد لا تتعارض مع الرؤية الإقليمية الصرفة، بل تكملها في كثير من الأحيان، وربما هذا ما جعلها أكثر تماسكا وجنبها لمدة طويلة التعرض للنقد والتجريح.

  غير أن النموذج الذي فرضته المدرسة المشهدية والذي قيدت به البحث الجغرافي جعل الجغرافيا الألمانية تغفل أو تتغافل عن الجوانب الاجتماعية، وإن اهتم بعض كتباها بعد الحرب- مثل هانش بيك بجامعة فيينا ولفجنج هارتك بميونخ- بموضوع البنيات الاجتماعية الذي قاد إلى دراسة الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية في علاقتها مع البورجوازية من جهة، وإلى تحليل أشكال استعمال الأرض عند الطبقات المتوسطة ودراسة مخلفات المجتمع الريفي التقليدي من جهة أخرى، لكن دون محاولة التخلص من المسلمتين الأساسيتين اللتين تشكلان عماد الجغرافيا الألمانية: ترجيح التأويل- تأويل المشهد- على التفسير والتعليل، والعمل على إبراز روح الجماعة بعد استبدال الطبقة الإجتماعية بالسلالة، لتبرير مفهوم أحقية التوسع في المجال الحيوي. وقد يكون هذا سببا رئيسيا في عدم قدرة الجغرافيا الألمانية على تجاوز مرحلة التصنيف وتخلي الباحثين عن مشروع مؤلف مشترك حول الجغرافيا الإجتماعية.

  إن المدرسة الجغرافية الألمانية وإن كانت بدورها تساير التطور وتأخد بعين الاعتبار التمايز المكاني، فقد عكست الاية، إذ قدمت السلالة (العرق) على التراب (المجال)، وهنا يتبين تأثر المدرسة الألمانية بالنزعة العنصرية القومية (النازية) وفي هذا السياق يأتي اعتناؤها بالمشهد الذي أصبح جوهرها وموضوع بحثها المفضل.

خاتمة:

  لا جدال في أن هذا الصرح الذي شيدته المدرسة الجغرافية الألمانية شامخ ومعلمة بارزة على درب الفكر الجغرافي. لكنه مع ذلك إنجاز تعرض لمجموعة من الهزات والانتقادات سواء داخليا أو خارجيا من المدارس الوطنية الأخرى. فأما العوامل الداخلية فهي تتلخص في حركة التنظير النشطة التي تنزع إلى توحيد المادة خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية، أما العوامل الخارجية فتتمثل في تطور المجتمعات وبروز مدارس أخرى عديدة، وهو ما سيجعل من المفاهيم والأدوات التي كانت متداولة في المدرسة الألمانية متجاوزة.