الثلاثاء، 31 ديسمبر 2013

حول مفهوم "الثقافة السياسية" عند المدرسة الأمريكية.

يعتبر المؤلفون الأمريكيون من أبرز من ساهموا في دراسة مفهوم الثقافة السياسية ولا سيما غابرييل ألموند وبوويل ..
وقد انطلقوا في تحليلاتهم على أساس إبراز والتركيز على المواقف السياسية عوض مفهوم السلوك، "فالسلوك هو فعل خارجي يتبناه فرد ما. أما الموقف، بالعكس، فهو نزوع داخلي للرد بطريقة خاصة على وضع ما، إن الأول يمكن ملاحظته إذن بصورة مباشرة لأنه يحدث في الحين. أما الثاني، بالعكس، فإنه ليس كذلك. لأنه، بالرغم من كونه حقيقيا، ليس لديه إلا نتائج محتملة قد تتحقق أو لا، وفقا للظروف"1، بمعنى أن التركيز على السلوك لا يمكن أن يبرز لنا صورة شاملة خصوصا اذا أخدنا بالاعتبار انعزالية مجموعة من المواطنين وسلبيتهم السلوكية، عكس الموقف الذي يتضمن السلوك ويأطره.
غير أن الأمر يظل نسبي، خصوصا وأن وسائل وطرائق معرفة المواقف السياسية للأفراد تظل محدودة وغير قادرة على تحديد دقة وصدق الإجابة، خصوصا عند غياب سلوك تعبيري عن موقف سياسي ما، فالطرف المستجوب لتحديد موقف ما من خلال التحقيق أو الاستمارة أو الاستجواب... هي ذات الإنسان الذي يمكن أن يكذب أو يشوه إجابته أو لا يمتلك القدرة على التعبير بشكل جيد.
ويقسم ألموندو وبوويل المواقف السياسية إلى ثلاث فئات: إدراكية وعاطفية وتقويمية.

- فالإدراكية ترتبط بالمعرفة المتراكمة لدى الفرد حول السياسة ومؤسساتها ورجالها؛

- أما الفئة العاطفية فإنها ترتكز على المشاعر من خلال -مثلا- التعاطف مع هذا السياسي أو ذاك، القبول والتعاطف مع هذا النظام أو رفضه وكرهه، أو الميل إلى هذا التوجه السياسي أو نبذه؛

- أما الفئة التقويمية، فتتجلى في إعطاء قيمة معينة للوقائع السياسية من خلال علامة سلبية أو إجابية .

إلا أن هذا التقسيم لا يعني حسب جان ماري دانكان أن كل فئة لها استقلالية مطلقة منغلقة على الاخرى، بل هناك العديد من الحالات التي تترابط أو تتفاعل فيها هاته الفئات فيما بينها، إذ نجد مثلا أن وظيفة التقويم تتعلق في أكثر من حالة بإسقاط مشاعر وعواطف معينة على موضوع سياسي ما، كما أن العديد من الإدراكات ترتكز على العواطف...
وقد قاما الموندو وبوويل انطلاقا من تحليل تلك الفئات المشكلة للمواقف السياسية إلى بناء ثلاث نماذج كبرى للثقافات السياسية، وهي:

- الثقافة الهامشية: وهي التي تعرف بعدم الإهتمام بالنظام السياسي ولا بالحياة السياسية أي ليس لديهم موقف خاص ومحدد؛

- ثقافة الخضوع: والتي تتجلى في مجموعة من الأشخاص الذين يمتازون بالتبعية المطلقة للنظام السياسي وسلطته إذ يحترمونها سواء كانت حسنة أو مدمرة، فـ"وجود فكرة عمل فردي أو جماعي من شأنه التأثير على عمل السلطة هي فكرة غريبة عن هذا النوع من الثقافة"2؛

- ثقافة المشاركة: وتتجلى في فعالية بعض أفراد المجتمع للتأثير على السلطة السياسية إما لإصلاحها أو تغييرها وإما لتحقيق أهداف خاصة محددة.

إلا أن هذا لا يعني حسب المفكر الفرنسي ( في علم السياسة) جان ماري دانكان، أن نظرة المدرسة الأمريكية مكتملة، بل أثارت العديد من الإنتقادات، أهمها إعتماد المؤلفين الأمريكيين نظرة معيارية لا تبرز الفوارق الاجتماعية والعرقية واللغوية والمجالية الفاعلة والمحددة لبروز تلك النماذج.

1- دانكان (جان ماري)، "علم السياسة"، ص 155.

2- نفس المرجع،ص 157.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق