السبت، 20 فبراير 2016

راهنية تجديد الخطاب الديني الإسلامي



يعتبر دخول العالم العربي – الإسلامي في سيرورة الحداثة والتحديث، عنصرا جوهريا أساسيا في طرح قضايا وأسئلة الدين والتدين، وذلك عائد من جهة لتحدي الذي طرحته صدمة الحداثة على المسلمين وبالتالي بروز سؤال لماذا تقدم الغرب وتأخرنا نحن؟ ومن جهة ثانية إلى ظهور ظاهرة قريبة زمنيا وهي ظاهرة التطرف الديني وانتشار الفتاوى الغريبة والتفسيرات الموغلة في التعصب والعنف. ومن جانب أخر فقد أضحى مطلب العقلانية والحداثة ضرورة ملحة للإقلاع العلمي والفكري والسياسي لكل أمة تنشد التحرر والارتقاء من إرسابات التخلف والانحطاط.

   كل هذه السياقات والعوامل جعلت من قضايا الدين مشغلا أو موضوعا أساسيا في الفكر العربي المعاصر على مختلف تجلياته سوسيولوجيا وأنثروبولوجيا وتاريخيا ... غير أنه تجدر الإشارة إلى أن هذا المشغل الفكري - قضايا وأسئلة الدين والتدين- هو ذو أبعاد متعددة ومتنوعة، سنقتصر في حديثنا هذا على معالجة وجه من وجوهه العديدة ألا وهو راهنية الخطاب الديني في سيرورة تجديده. 

  إن هذا الموضوع يكتسب أهميته وراهنيته مما يحصل في واقعنا الحضاري من بروز ظواهر أصبحت تلعب دورا سلبيا في مسار تقدم شعوب الشرق الأوسط وشمال إيفريقا، من بينها طغيان خطاب التشدد والتطرف الديني على ساحة الخطابات الدينية، التي تعد خطاباتها نكوصا فكريا مقارنة مع المساهمة الحضارية للثقافة الإسلامية التقليدية ومقارنة مع الإضافات العلمية والفكرية للمجتمعات المتقدمة. إن ما يحصل الآن يشير إلى وجود خطب ومشكل ما وفي نفس الوقت يشير إلى بروز وعي حاد لدى شريحة واسعة من المثقفين والفاعلين بوجود خلل عويص يتطلب إصلاحه. فهذا الشأن يدعونا جميعا إلى البحث عن جواب للحد من انعكاساته المأساوية التي تكاد تغلب على الصورة الحضارية للدين الإسلامي.
  ومن الملاحظ في سياق الفكر العربي الاسلامي، أنّ محاولات التجديد التي لمست عمق الإشكاليّات ذات العلاقة بالفكر الديني الاسلامي قد تمّت مقاومتها بشدّة من المؤسّسة الدينيّة الرسمية، ويكفي أن نذكر في هذا السياق عليّ عبد الرازق في مصر وقاسم أمين وطه حسين والطاهر الحدّاد في تونس وغيرهم على طول جغرافيا العالم الإسلامي ...هذا الخطاب التجديدي الذي حمله هؤلاء المفكرون الكلاسيكيون أو ما يعرف بمفكري النهضة كان من الممكن أن يمثّل تحوّلا جذريّا في المجالين السياسي والاجتماعي. غير أنّ أفكارهما اعتبرت بمثابة الخطر على الإسلام نفسه، وأسهمت الظروف الحضاريّة وسطوة الفكر المحافظ التقليديّ، والبنى الاجتماعيّة والسياسيّة في عدم تحقيق ما يدعوان إليه في مجالين وثيقَيْ الصلة بتجديد المنظومة الدينيّة الكلاسيكيّة.
  فمن خلال المسار التاريخي الحديث للفكر العربي- الإسلامي نجد أن خطاب التجديد الديني ظل مبتورا، تحكمه قبضة المورث على مستوى فهم وتفسير النص الديني، أو بالأحرى الخوف من العقاب المعنوي للمؤسسة الرسمية ومن طرف التيار الأرثوذكسي بل أحيانا يصل الأمر إلى حدود العقاب المادي.

  إذا سؤال التجديد ذو ارتباط وثيق بسؤال الإصلاح الاجتماعي العام، فلا تجديد بدون إصلاح ولا إصلاح بدون تجديد، والتجديد هو ضرورة لا مهرب منها، من اجل الانتقال من موقف المتفرج/المنفعل إلى موقع الصانع/الفاعل.

   ولكن أليس سؤال التجديد هو سؤال عام يجب تخصيصه وتفريعه، فمثلا:

-  هل يجب أن نجدد الخطاب الديني كله أم مستوى ما من مستوياته ؟
- إذا كان نعم فهل هو مستوى العقيدة أم الشريعة، أم تقديم مطلب تأويل النصوص الدينية ليتكيف فهم النص مع متطلبات التغير والسيرورة التاريخية...؟
-هل تجديد الخطاب الديني هو "تحرير للدين" من القراءة الحرفية المتشددة وأيضا من المقاربة الوضعانية التي يؤطرها عنوان " التحرر من الدين"؟
- كيف نفرق بين الدين والتدين وبين الدين والفكر الديني ؟
- وهل هناك بصيص أمل لتحقق مطلب هذا التجديد في العالم العربي؟
- وما هو المعيار الذي يخول لنا أن نحكم على أي خطاب ديني مناسب لنا؟

 إنها أسئلة وأخرى تتطلب أكثر من مقالة وأكثر من دراسة وبحث، غير أن هذا لا يمنعنا من أن نخوض في غمار هذه القضايا وإن كان على مستوى الأسئلة العامة والقضايا البارزة فيما يخص التجديد الديني.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق