الأربعاء، 5 مارس 2014

أفكار في مسألة "التاريخ".


  إن التاريخ هو سيل مستمر إنه نهر متدفق باستمرار ليس له حدود،  إن التاريخ هو المتغير باستمرار. فكيف يمكن أن نعطي تصورا وفهما للتغير يكون غير متغير، أي هل من الممكن أن نفهم التاريخ بفهم ثابت. وهل قراءة التاريخ عبر التاريخ نفسه كانت دوما محاولة لضبطه من خلال ضبط علاقة الثابت والمتغير.
   هل في التاريخ ما هو ثابت وما هو متغير، وما على الباحث إلا أن ينقب ويبحث؟ أم أن كل الأشياء في التاريخ متغيرة وتكتسب صفة السيرورة والصيرورة؟
  إن جل الفلسفات والنظريات التي حاولت معرفة التاريخ منذ ظهور البدايات الأولى للحضارة البشرية، كانت ترتبط دائما بنظرة فلسفية عامة أو مرجعية من خلالها تستقرأ التاريخ، فنجد مجموعة من الأفكار تنطلق من دراسة الكون وأصل الكون والميتافيزقيا ثم تصل إلى حياة الإنسان.. فمعالجة التاريخ هنا -في البدايات الأولى- كانت تتم من خلال دراسة الإنسان سواء كفرد أو كجماعة، ولكن لم تكن هناك رؤية لمفهوم التاريخ في حد ذاته أي بشكل مجرد. فالتاريخ كان مرتبطا بوصف المجتمعات والحضارات وبداياتها وانهياراتها ومعاركها ... كان الوصف هو الآلية الطاغية إن لم تكن الوحيدة التي يتم من خلالها ممارسة التأريخ في نشأته، فهو علم مشهدي أي يرتكز على وصف المشاهد (ما تراه العين وتسمعه الأذن) في بداياته.
  كما أن مفهوم التاريخ قد تأثر بالمفاهيم والرؤى الميتافيزيقية الدينية خصوصا مع اليهودية والمسيحية التي أثرت بدورها في عملية التأريخ الإسلامية كما نجدها عند ابن كثير والطبري والزمخشري وآخرون ... فرؤيتها للتاريخ مفعمة بخلفية التدخل الإلهي ومحاولة منطقة التاريخ كسير نحو نهاية معلومة، وأن التاريخ هو صراع ما بين قوى الشيطان والقوى الملائكية.
   فالمعالجة الدينية للتاريخ ليس بالضرورة هي معالجة التوراة أو الإنجيل أو القران، فهي أيضا التأويلات والتفسيرات التي أعطيت للأحداث الموجودة في الثوراة والإنجيل والقران، فهي مجموع تراكمات للتأويلات والتفسيرات التي أعطاها التابعين والمتدينين لنصوصهم الأصلية.
  غير أنه لا يمكن أن نتطرق إلى المراحل التي مرت منها عملية التأريخ وكأنها مراحل منفصلة ومستقلة عن بعضها البعض، بل نجد المضامين الفلسفية التي برزت في الحضارة الإغريقية والحضارة الهيندو-صينية تتداخل في نقط تاريخية معينة ومحددة مع التفسيرات الدينية، غير أن ما استجد في القراءة الدينية للتاريخ هو ظهور مفهوم الغاية في التاريخ، ووجود مخطط لمسار حياة البشرية، فلم يعد الأمر يقتصر على وصف الأحداث والمعارك بل هناك عامل فاعل ومفسر لكل ما يحدث، وكل ما يجري هو من أجل غاية يتحرك التاريخ في مسار تحقيقها.
  إلا أنه مع التحولات التي عرفتها البشرية في فترات تاريخية متأخرة، من ثورات علمية وصناعية واجتماعية ... ظهرت نماذج تحليلية وتفسيرات جديدة ومناهج مغايرة، وبالتالي تعددت الرؤى والمدارس من الوضعية إلى المثالية الجديدة إلى الماركسية ... غير أن المشترك في كل هذه المدارس في  محاولاتها لتفسير حركة التاريخ، هو التأثر بالتحولات التي عرفتها العلوم الطبيعية خصوصا الفزياء وبالضبط مع بروز مفهوم القانون، فحاول أصحاب التاريخ أن يفسروا التاريخ من خلال اكتشاف قوانين معينة هي التي تعمل على تحريكه وتحديده، فهناك من رأى ذلك في الاقتصاد وهناك من حصره في روح العرق وهناك من رآه في الصراع حول المجال الحيوي ... إذا الكل حاول أن يستكشف من التاريخ منطقا يحكمه ويحدد حركته.
  إلا أن هاته التحولات لا تعني وقوع قطيعة على مستوى المضمون إذ نجد أن مجموعة من المدارس الحديثة في تفسير التاريخ، وإن غيرت وجددت واكتشفت عوامل مفسرة جديدة إلا أنها حافظت على الرؤية الغائية، مثلا في المدرسة الاشتراكية الماركسية نجد دوما حضور الغاية الكبرى وهي الشيوعية، ونجد مثلا عند مدرسة "روح العرق" غاية وحتمية انتصار العرق النقي الأرقى....

  إن التاريخ كمفهوم هو عبارة عن محاولات دائمة لمنطقته، هو محاولات مستمرة لإسقاط الثابت على المتغير.

هناك تعليق واحد:

  1. الدوغما تدأ ايضا عندما يسطر الانسان للتاريخ نهاية يحقق فيها اكتماله الابدي فيسترخص البشر في سبيل تحقيق تلك الرؤى الكليانية
    تحياتي

    ردحذف