الاثنين، 4 أغسطس 2014

"كرة القدم" .. حينما تصبح الرياضة هوسا.




كرة القدم، الرياضة التي يعشقها الملايين على الكرة الأرضية، الرياضة التي سرقت قلوب وعقول ملايين البشر. فما هو سرها حتى وصل تأثيرها إلى هذه الدرجة ؟

  تشكل كرة القدم في وقتنا الراهن مجالا قويا للاقتصاد، والاقتصاد تصاحبه السياسة. فهذه الرياضة قد تحولت لمصدر إلهاء في يد النخب الحاكمة، إنها أفيون جديد للشعوب، على صيغة كارل ماركس الشهيرة "الدين أفيون الشعوب". لقد أصبحت هذه الرياضة تزاحم أدوار ووظائف العقائد والأيديولوجيات، فكرة القدم بصيغتها الحالية هي تجلي للرياضة حينما تصبح شبه أيديولوجيا. إذا يمكن الحديث هنا عن فلسفة معينة للرياضة، بعبارة أخرى يمكن للرياضة وخصوصا كرة القدم أن تصبح حقلا للدراسة المعرفية من أجل معرفة أسس وأسباب قوتها وتفكيك الشبكة المتحكمة فيها، ولأية أغراض؟ خصوصا حينما نرى الأجور المهولة التي تعطى لمشاهير كرة القدم. فهل لمجرد معرفة شخص ما كيفية المراوغة وتمرير الكرة سيأخذ أجرا يصل إلى 20 مليون أورو مثل حالة ميسي لاعب فريق برشلونة  وكرستاينو رونالدو لاعب فريق ريال مدريد.

  لقد أصبحت كرة القدم تشغل وقتا كبيرا للشباب، فلا تجدهم يتحدثون إلا عن المباريات وأخبار اللاعبين والفرق... أصبحت عبارة عن طقوس وشعائر من نوع جديد. فالشباب في عصر العولمة الرأسمالية وفي ظل تراجع دور المؤسسات التربوية ومؤسسة الأسرة أي المؤسسات التوجيهية، لا يجد إلا كرة القدم ليظهر فيها حدود معرفته ...

  إن لكرة القدم دور كبير في تحريك وتوجيه تفكير ومشاعر المهووسين بها، فعوض الحديث عن مشاكلهم اليومية أو البحث عما يفيدهم من علم وعمل أو المطالبة أو الإبداع وممارسة الرياضة، تجدهم يعوضون عن ذلك بطريقة لا شعورية تتحكم فيها وسائل الإعلام، بالحديث ومتابعة المباريات والخروج في مظاهرات الفرح والسعادة ... لنتخيل لو خرج هذا الكم الهائل للمطالبة بحق من حقوقهم، كيف سيكون الوضع ؟

  الأمور يتداخل فيها السياسي والمالي، فالسياسي من مصلحته أن تكون الجماهير مغيبة مخدرة بأشياء تافهة لا تستحق كل هذا الهرج والمرج، لكي تظل الساحة فارغة له يفعل فيها ما يشاء ويتحكم كما شاء في تفاصيلها دون أن يجد معارضة شعبية حقيقية، والمالي أي الاقتصادي من مصلحته أن تظل الأجواء هكذا ويدعم السياسي ليحافظ عليها هكذا ويسيد ثقافة الفرجة والفرح الكروي من أجل تزايد الأرباح والأموال الطائلة، ففي كرة القدم يلتقي الاقتصادي والسياسي بشكل واضح.

  فلا بأس بالاحتفال بفوز فريق ما أو نقوم بسهرة احتفالية، فمن طبع الإنسان أن يحتفل لكي  يخفف عن ضغط اليومي ومشاكل العمل والأسرة إلخ... ولكن أن تصبح كرة القدم هوسا وصنما نعبده بطريقة غير مباشرة، فهنا يجب أن تقف الأمور ويبدأ العقل التحليلي في الاشتغال لمعرفة أسباب ودواعي مثل هذه الظواهر. فالاحتفالات لا يجب أن تبقى مستمرة أياما عديدة فهناك أشياء أخرى تستحق العمل وتتطلب مجهودات في مستوى تلك التي نقدمها في الاحتفال بفوز فريق ما. كرة القدم لا تستحق كل هذا الهوس. بل الأمور أصبحت تخرج عن إطار الاحتفال إلى ممارسات غير أخلاقية كالتحرش بالفتيات وإطلاق شتائم بذيئة…

  يجب أن نعيد النظر في مجموعة من ممارساتنا وأفعالنا، إذا أردنا أن نحصل على جزء من التقدم والتحضر، فالتحضر لن يكون بالخروج للشوارع وقطع الطرق وقول كلام فاحش، فليس هكذا يكون التعبير عن الفرح والسعادة، الفرح الذي يتحول إلى حزن لا نريده. فحينما تخرج الأمور عن حدها فاعرف بأن هناك شيء غير سليم وأن النتيجة ستكون وخيمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق