السبت، 9 أغسطس 2014

الصراع ميزة الإنسان.


 



إن الإنسان عبر تاريخه عرف تطورات وتغيرات عديدة، إلا أننا نجد أن هناك ثابت ظل يسايره ويلازمه لم يراوحه ألا وهو ثابت الصراع. فالمجتمعات البشرية منذ بداياتها الحضارية تميزت بالحروب والصراعات فيما بينها إلى اللحظة الراهنة.
   إذا هل يمكن أن نقول أن الحضارة والحرب متلازمان لا ينفصلان؟ هل الصراع ميزة البشر كما التفكير والكلام ... ؟ كيف يمكن أن نفسر هذه الاستمرارية رغم تقلب الأحوال وأنماط العيش وبروز أفكار جديدة ونظم جديدة لتسيير حياة الإنسان وكذا تطور التقنية؟ كيف أن كل هذا التقدم والتطور لم يمنع أو يحد من شدة الحروب التي شهدتها وما تزال مسيرة البشر على هذا الكوكب؟.
  إن هذا يمكن حسب تفسيرنا أن يجد أحد تفسيراته في أن الصراعات سواء داخل مجتمع معين أو ما بين المجتمعات هي نتيجة للطبيعة الانقسامية للمجتمعات البشرية، بمعنى أن الوجود الفعلي والواقعي ليس لمجتمع بشري متجانس وإنما لمجتمعات بشرية منقسمة تتشابه في أمور وتختلف في أمور أخرى ، والوجود أيضا ليس لمواطنين متجانسين في ظل مجتمع موحد بل الوجود لتكتلات سواء أسرية أو عائلية  أو فئوية تربطها مصالح مادية ومعنوية تحفظ لها وجودها، وهي ما يمكن تسميته بالمجتمعات الصغرى. هذه المجتمعات ترتبط فيما بينها وتتواصل من خلال مجموعة من العمليات، والتي يعتبر الصراع هو الجزء المركزي فيها أو الدينامو المحرك لها. والصراع هو عملية تواصلية ذات منحى عنيف سواء ماديا أو رمزيا.
  فالطبيعة الانقسامية للبشرية هي مرتبطة بالبدايات الأولى لنشأة الجنس البشري كجنس يحاول أن يتجاوز المرحلة الحيوانية، ففي البدايات حينما لم يصل بعد لمرحلة الانتقال من الطبيعة إلى الثقافة، لم يكن معطى الثقافة حاضرا ، لكن مبدأ الصراع كان حاضرا، إذا  خاصية الصراع تتجاوز معطى الثقافة فهو سابق لها. فالصراع هنا ليس له ارتباط ثقافي بقدر ما له ارتباط بمعطى الانقسام الذي يميز الجنس البشري.
  غير أن ظهور الثقافة لا يعني أنها ستلعب دورا إيجابيا في تقليص دينامية الصراع بل  ستزيد حسب ما يشهد به التاريخ من حدة الانقسامات وبالتالي ستزيد من حدة الصراع وهذا ما يدل عليه مسار التطور البشري فكلما تزايد عنصر الثقافة – الثقافة بالمفهوم الشمولي أي العادات والتقاليد والأديان والتقنيات ...- تزايدت حدة وشدة الصراع (علاقة تطور التقنية بالحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية كنموذج).
  فهل يعني كل هذا أنه مادام الجنس البشري يتميز بالانقسام فإنه سيظل جنسا متصارعا؟
  نعم، بل حتى هذه الطبيعة الانقسامية لن يجد الإنسان لها طريقة يتخلص منها، لأنها ترسبت فيه عبر التاريخ ويتم تناقلها من خلال مجموعة من القيم أو البنى الفكرية التي توجه طرق تفكيرنا ويتم إعادة إنتاجها وتكييفها مع كل تطور جديد.
  كما لا ننسى بأن هذه الانقسامات تتحدد انطلاقا من محددات عديدة ومختلفة فهناك محددات اقتصادية، هذا غني وهذا فقير، وهناك محددات سياسية للعمليات الانقسامية هذا يميني وهذا يساري... وانقسامات ثقافية وهكذا، ومثلا في العصور السابقة كالعصور الوسطى نجد هذا من النبلاء وهذا من الفلاحين المعدومين ... وهكذا دواليك دوما هناك دوافع محركة للعملية الانقسامية. إذا هذه العملية تحركها كما قلنا دوافع اقتصادية وسياسية وثقافية تتغير تمظهراتها ولكنها تظل تنتج لنا نفس النتائج، وهي المزيد من الانقسام.
  وتتجلى الانقسامية في هذا التحليل وكأنها متعالية على الإنسان والمجتمع تتحكم فيه وهو لا يجد لها مخرجا، إنها ليست كذلك، لأنها هي أيضا كباقي الظواهر، من صلب الطبيعة البشرية، فهي لم تفارقه حتى تكون متعالية، فمثلا هل يمكن للكلام أو التفكير أن يكون متعاليا عن الإنسان، لا.. لأنه من خصائص البشر ملازم له وكذلك الانقسام هو من خصائص البشرية ملازم له.
 الانقسام ينتج مزيدا من الانقسام، وبالتالي المزيد من الصراعات والحروب، ومادام أن الانقسام قد حصل فلا سبيل لإيقافه لأنه انغرس في الذات البشرية، ويجد دوما دوافع تحركه في صلب أنظمتنا سواء الاجتماعية أو الفكرية أو الاقتصادية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق