الاثنين، 30 ديسمبر 2013

حديث مختصر حول مرجعيات أرسطو


لم ينطلق أرسطو في خطابه من الفراغ، وذلك عكس مجموعة من التصورات التي سادة عن كيفية تأسيس أرسطو للمنطق، إذ نجد نوعا من التصور أو النظرة إلى أرسطو كأن بناءه للمنطق لم يتأسس على أسس ومرتكزات، وكأنه لحظة انطلاق من عدم. هذا التصور لا يعكس الحقيقة التي وصلت إليها البحوث والدراست الحديثة وفي أغلبها غربية وهي مرتبطة أشد الارتباط بما عرفته الحضارة الغربية من ثورة منهجية في دراسة تاريخ الافكار والنظم المعرفية، وهذا هو الذي مازال غائبا عن العقل العربي لذلك لم يشهد دراسات نقدية منهجية موازية. هذه الدراسات الحديثة بدلت وحولت تلك الأفكار المسبقة حول أسس ومظاهر الخطاب الأرسطي.

عموما، تحاول تلك الابحاث إبراز وتوضيح الأسس التي ارتكز عليها خطاب ارسطو في نشأته وتطوره وتلك الأسس تشكل مجموعة من الحقول المعرفية قبلية أو ما سماها عبد الله العروي بالثقافة القبسقراطية، فتجلت نصوص أرسطو من خلال تلك الدراسات كمجرد استقراء للمعلومات المكتسبة. أما عند الكتاب العرب سواء المتقدمين أو المتأخرين لم يعيروا اهتمامهم للثقافة اليونانية التي شكلت المادة الخام للخطاب الأرسطي، بل توقفوا في نظرتهم إليه كمعلم أول احتوى كل المعارف والحقائق بالنسبة للفلاسفة أو نظروا إليه كدخيل يجب رفضه بالمطلق بالنسبة للفقهاء.

هذه المادة الخام التي أسس عليها أرسطو خطابه، تتنوع وتتعدد، ويمكن حصرها في:

أولا: الخطاب السياسي القانوني، اعتبرت جاكلين دي روميي في نقاشها ل"العقل عند توقديد"، أن أعمال وتحليلات المؤرخ والقائد العسكري اليوناني المعاصر لحكم بريكلس، كان يمثل إحدى مكونات عقل أرسطو. وهذا نموذج من نماذج عديدة تبرزها هاته المفكرة.

ثانيا: الخطاب الجدالي، وقد كان ذو علاقة مع الخطاب السياسي. وقد ارتبط هذا الخطاب في مرتكزاته بسفوسطائيي ما قبل "الثورة الأخلاقية الأرسطية".

ثالثا: الخطاب الشعري، وهو "خطاب الملحمة والمأساة والقصيدة، خطاب المثل والتمثيل، خطاب البيان والمجاز".

رابعا: خطاب الرياضيات، والذي ورثه عن فيثاغورس ثم أفلاطون، وهو خطاب البرهان والضرورة واليقين.

خامسا: خطاب الطبيعيات، وبالضبط علم الطب الذي ساهم في تشكل معارف أرسطو حول الجسم وما يؤثر فيه من هواء وطعام ...

هذه الحقول المعرفية والتي هي مرجعيات تأسس عليها الخطاب الأرسطي، توضح لنا أن هذا الأخير نظرا لارتباطه بالثقافة اليونانية التي لم تكن كلا متشابها من جهة ونظرا لشمولية خطاب أرسطو من جهة ثانية، هو خطاب غير متجانس، إذ نجد عنده البرهان واليقين ثم نجد الشعر والمجاز ثم الجدل... إذا الخطاب الأرسطي ليس كما فهمه مفكرو الحضارة العربية الإسلامية خطاب متجانس موحد بعيد عن التناقض، فهو ليس خطاب قطاعي جزئي حتى يكون منسقا متناسقا.

خلاصة الأمر أن العقل لا يمكن أن يشتغل في بناء خطاب ومنه خطاب أرسطو على العدم، بل دائما على مادة مكتسبة يقوم بتفكيكها وتحليلها وإعادة تركيبها ليخلص إلى نفي أو حكم وتقرير جديد.

إذا متى سنتعلم درس المنهج؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق